للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

محمد بيده لو قال إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرساناً أجمعون) (١).

وهذا الصنيع ليس مطعناً، بل دليلُ كمال الخلقة وقوة البدن، ولذا يقول صاحب "كشف المشكل من حديث الصحيحين": «اعلم أنَّ العرب كانت تَعُدُّ القوة في الجماع من كمال الخلقة وقوة البنية، كما تَعُدُّ الشجاعة منها، وكان - صلى الله عليه وسلم - أتم الناس خلقة، ثم أعطي قوة ثلاثين، ثم كان في فعله ذلك ردٌّ على النصارى في التبتل» (٢).

ويقول صاحب "عمدة القاري": «وهو -أي القوة على الجماع- دليلٌ على كمال البنية» (٣).

وهناك ملحظ آخر يرد على هؤلاء المشبهين بنقيض ما أرادوا، فإنّ الذي يُعطى قوة ثلاثين في الجماع ثم لا يبيت إلا عند زوجة واحدة في غالب أحواله؛ يكون في ذلك دليل على أنه في غايةٍ من الصبر عن الجماع (٤).

الأمر السّادس: الحديث عن قصة زواجه - صلى الله عليه وسلم - من زينب بنت جحش ? هو محل طعنٍ مستمر من المنصرين والمستشرقين في القديم والحديث.

ومصدر هذه الشبهة ما تسلل إلى بعض كتب التفسير والسِّير من أخبار متهافتة السند والمتن، بيّن الباحثون عدم صلاحيتها للاحتجاج (٥).

كان التبني متفشياً في المجتمع المكي، حيث يتخذ المرءُ ابنَ غيره ابناً له يرثه ويورِّثه، ويحرم عليه التزوج بمن تزوج، وتجري بينهما أحكام الوالد مع ابنه الصلبي.

وكان أن تَبَنَّى النبيُّ عليه الصلاة والسلام زيدَ بن حارثة، فكان لا يدعى إلا زيد بن


(١) رواه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب من طلب الولد للجهاد، ح٢٨١٩، ص٦٩٨. ورواه مسلم في صحيحه، كتاب الأيمان والنذور، باب الاستثناء، ح١٦٥٤، ٢/ ٧٨١ - ٧٨٢.
(٢) انظر: كشف المشكل من حديث الصحيحين، ابن الجوزي ٣/ ٢٨١.
(٣) انظر: عمدة القاري شرح صحيح البخاري، بدر الدين العيني ٣/ ٢١٧.
(٤) انظر: شرح سنن ابن ماجة، السيوطي ١/ ٢٨٦. ومرقاة المصابيح، الهروي ٢/ ٤٣٥ (حسب فهرسة المكتبة الشّاملة).
(٥) انظر: مع المفسرين والمستشرقين في زواج النبي - صلى الله عليه وسلم - بزينب بنت جحش، عواض الألمعي، ص١١ - ٣٣.

<<  <   >  >>