للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومع هذا لا يعد في الأمر قدحاً عندهم.

وقد تواتر النّقل عن القسس في كنائسهم من الحوادث الأخلاقيّة المشينة الشيءَ الكثير، ناهيك عن حال كثيرٍ من النصارى في البلاد الأوروبيّة والأمريكيّة وغيرها حين يمارس الرّجل مع معشوقته في الشّارع أمام الملأ ما يحسن عدم ذكره.

فأين هذا ممن صَفت سيرته وسريرته، وشهد له أعداؤه قبل أتباعه، بكريم الشّمائل وحَسَن الأخلاق، ولكنّه الحقد الأعمى يدفع صاحبه لتقبيح ما يراه الأسوياء حسناً وجميلاً.

الأمر الثّامن: وأما ما جاء في قصة النبي - صلى الله عليه وسلم - مع زاهر بن حرام - رضي الله عنه -، فإنَّ فيها من دلائل كريم شمائله عليه الصلاة والسلام ما يُدهش الألباب.

فقد كان هذا الرجل بدويًّا دميم الخلقة قبيح المنظر، شديد المحبة للنبي الكريم، لا يَقْدُمُ إلى المدينة إلا أتاه بطرفة أو تحفة من البادية.

وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يبادله المحبة والوفاء، فيكافئه على الهدية، ويقول: (زاهرٌ بادينا، ونحن حاضروه)، والمعنى أنه يكفينا ما نحتاج من البادية، ونكفيه ما يحتاج من المدينة.

وكان ذات يوم في السوق فأتاه النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يبيع متاعه، فاحتضنه من خلفه والرجل لا يبصره فقال: أرسلني من هذا؟ فالتفت إليه فلما عرف أنه النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل يلزق ظهره بصدره، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من يشتري هذا العبد؟)، فقال زاهر: تجدني يا رسول الله كاسداً، قال: (لكنَّك عند الله لست بكاسد) أو قال: (بل أنت عند الله غال) (١).

قال صاحب "مرقاة المصابيح": «وحاصله أنه عانقه مِن خلفه، بأنْ أدخل يديه تحت إبطي زاهر، وأخذ عينيه بيديه لئلا يعرفه. وقيل معناه أنه أخذه مِن عقبه مِن غير أخذ عينيه، ذكره النووي» (٢).

والخلاصة أنّ هذه القصة الصحيحة لا تدل إلا على حَسَن المعاني، فإنّ القارئ لها


(١) قال الألباني: «قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين، وكذا قال ابن كثير، وأخرجه ابن حبّان والبغوي في "شرح السنة" وأحمد وصححه الحافظ». انظر: مختصر الشّمائل المحمديّة، الألباني، ص١٢٧.
(٢) انظر: مرقاة المصابيح، الهروي ٧/ ٣٠٦٤ (حسب فهرسة المكتبة الشّاملة).

<<  <   >  >>