كان أبو حذيفة زوج سهلة بنت سهيل بن عمرو قد تبنَّى مولاه سالماً منذ صغره، فلما نزلت آيات تحريم التبني وقعت سهلة في حرج من أن يراها سالم فيكون في نفس أبي حذيفة شيء، وكانت قد تعلقت وزوجها بهذا المتبنى. فأتت النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأرشدها أن تُرضع سالماً تحرم عليه.
ثم جاء من شغب بهذه الحادثة من جهة تعميمها على كل من أرادت أن تحرم على
رجل فترضعه أيًّا كان سنه، ومن جهة أنَّ ذلك يستلزم كشف النساء ثديهن للرجال، وما يتبع ذلك من مماسّة وامتصاص.
ومقصدُ هؤلاء تصويرُ الإسلام على أنّه يشرِّع السّفول الأخلاقي، مخالفين شهادة أعداء الإسلام قبل أتباعه، أنّ تعاليم الإسلام في قمّة الخلق والفضائل.
لم تكن حادثة سالم إلا رخصةً خاصّة به، بدليل إجماع أمهات المؤمنين خلا عائشة على هذا الفهم، وهو الأمر الذي قال به جمهور العلماء من السلف والخلف، وفيهم أئمة المذاهب الفقهية الأربعة.
وقد دلَّت الأحاديثُ الصحيحة الصريحة الكثيرة على أنّ الرضاع المحرم ما كان في الحولين، وكان خمس رضعات فأكثر. وقد دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - على عائشة وعندها رجل قاعد، فاشتد ذلك عليه وغضب، فقالت: إنه أخي من الرضاعة، فقال:(انظرن إخوتكن من الرضاعة، فإنما الرضاعة من المجاعة)(١).
لقد كان في رخصة النبي - صلى الله عليه وسلم - صورة عظيمة من صور الرّحمة التي شملت هذا المتبنَّى لئلا يُحرم من أسرته التي نشأ فيها منذ طفولته حين كان التبني جائزاً، كما شملت أبا حذيفة وزوجه حين لم يشأ النبي الرّحيم كسر قلبيهما إذا قضى بالفرقة.
وفي ذلك دليلٌ على مرونةِ التشريع، وإيجادِه الحلول التي تجلب المنافع وتدفع المفاسد.
(١) رواه البخاري في صحيحه، كتاب النكاح، باب من قال لا رضاع بعد الحولين، ح٥١٠٢، ص١٣٠١. ورواه مسلم في صحيحه، كتاب الرضاع، باب إنما الرضاعة من المجاعة، ح١٤٥٥، ١/ ٦٦٥، واللفظ له.