للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حق يصدِّق بعضُه بعضا، وهو موافق لفطرة الخلائق وما جُعل فيهم من العقول الصريحة والقُصود الصحيحة، لا يخالف العقل الصريح ولا القصد الصحيح ولا الفطرة المستقيمة ولا النقل الصحيح الثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

وإنما يَظُنُّ تعارضَها من صدَّق بباطلٍ من النُّقول، أو فَهِمَ منه ما لم يدل عليه، أو اعتقد شيئاً ظنَّه من العقليّات وهو من الجهليّات، أو من الكشوفات وهو من الكسوفات» (١).

ولعلَّ هؤلاء أُتوا من جهة قياسهم هذا الأمر الغيبي على ما يشاهدونه من سجود الآدميين، الذي يقتضي وجود الأطراف كاليدين والرجلين، ولزوم التوقف والاطمئنان. وهذا غير لازم؛ فإنَّ سجود كلّ شيء بحسبه، ولا يمكن قياس عالَم الغيب على عالَم الشّهود.

الأمر السّادس: وأمّا القول بأنّه جاء في السّنّة ما يخالف العقل والمنطق كما في الإخبار عن بول الشيطان وخروج صوت الرّيح منه، فبيانه كالتّالي:

صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبار كثيرة في بيان أمور متعلقة بالشّيطان لا سبيل إلى علمها إلا عن طريق الوحي.

فقد أخبر أنّه يجري من الإنسان مجرى الدم، وأنّه مُتسلط على بني آدم بالوسوسة والتحزين والتلاعب حال المنام. وإذا وُلد المولود طعن في خاصرته إلا عيسى بن مريم - عليه السلام -، وإذا نام بات على خيشومه، فإنْ نام عن الصلاة المكتوبة بال في أذنيه، وإنْ تثاءب فلم يغطِّ فاه ضحك منه ودخل في فيه، وإذا مرَّ بآية سجدة فسجد بكى الشيطان، وإنْ سمع الأذان والإقامة فرَّ من المسجد مسافةً بعيدة وله ضراط أو حصاص (٢).

وهو يرى الإنسان، فكان إذا رأى عمر - رضي الله عنه - جبن وسلك طريقاً آخر. وتراه الحيوانات، فإذا رأته الحمير نهقت.


(١) انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ٦/ ٥٨٠، وللشيخ - رحمه الله - جهود كبيرة في بيان عدم تعارض العقل الصريح مع النقل الصحيح، وألَّف في هذا مجلداً من عشرة أجزاء؛ هو "درء تعارض العقل والنّقل".
(٢) الحُصَاص: شدّة العدو وحِدَّته، وقيل: هو أن يمصع بذنبه ويَصُرَّ بأذنيه ويعدو، وقيل: هو الضُّراط. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، ابن الأثير ١/ ٣٩٦.

<<  <   >  >>