للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يغمس كامل هذه الحشرة ولو تيقن أنها طارت من محل قاذورات، ثم يتجرع هذا الشراب.

إنّ الأمر في هذا الحديث للإرشاد لا للوجوب، وفيه رخصة وعزيمة، فمن قوي توكله على ربه وتصديقه خبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لا يضره، وسلمت نفسه من النفور من ذلك؛ فإنْ فَعَلَهُ كان مأجوراً، وإنْ طَرح الشّراب بالكلية فلا حرج عليه.

وأمّا استشكال أنْ تجمع هذه الحشرة النفع والضرّ في جسمها، فقد نقل ابن حجر عن

الخطّابي (١) قوله: «تَكلم على هذا الحديث مَن لا خلاق له فقال كيف يجتمع الشفاء والداء في جناحي الذباب، وكيف يعلم ذلك من نفسه حتى يقدم جناح الشفاء، وما ألجأه إلى ذلك، قلت وهذا سؤال جاهل أو متجاهل، فإنَّ كثيراً من الحيوان قد جمع الصفات المتضادة، وقد ألَّف الله بينها وقَهَرها على الاجتماع وجَعل منها قُوى الحيوان، وإنّ الذي ألهم النَّحلة اتخاذ البيت العجيب الصنعة للتعسيل فيه، وألهم النَّملة أنْ تدَّخر قوتها أوانَ حاجتها، وأنْ تكسر الحبة نصفين لئلا تستنبت؛ لَقَادر على إلهام الذبابة أنْ تقدم جناحاً وتؤخر آخر» (٢).

وهذا الحديث هو واحد من النصوص التي حكّم بعض النّاس فيها عقولهم فخلصوا إلى ردها، متجاهلين أنّ العقول يعتريها الخطأ والصّواب، وهي متفاوتة فلا يكون لتقديم أحدها على غيره حجة إلا كما لدى الآخر، فأي العقول نجعل حكماً (٣)؟!

الأمر الثّامن: وأمّا الاعتراض على حديث لعق الأصابع أو إلعاقها بعد الفراغ من الطعام، فيقال في إيضاحه ما يأتي:

هذا الحديث ثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقد روى الشيخان وغيرهما قوله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا أكل أحدكم فلا يمسح يده حتى يَلعقها أو يُلعقها) (٤).


(١) هو أبو سليمان، حمد بن محمد الخطّابي البستي، الفقيه المحدث. ولد في بست سنة ٣١٩هـ ومات بها سنة ٣٨٨هـ. له: معالم السنن- بيان إعجاز القرآن- إصلاح غلط المحدثين- غريب الحديث، وغيرها. انظر: الأعلام، الزركلي ٢/ ٢٧٣.
(٢) انظر: فتح الباري، ابن حجر ١٠/ ٢٥١ - ٢٥٢.
(٣) انظر: شبهات حول السنة، عفيفي، ص٥٨.
(٤) رواه البخاري في صحيحه، كتاب الأطعمة، باب لعق الأصابع ومصها قبل أن تمسح بالمنديل، ح٥٤٥٦، ص١٣٨٨. ومسلم في صحيحه، كتاب الأشربة، باب استحباب لعق الأصابع والقصعة .. ، ح٢٠٣١، ٢/ ٩٧٥.

<<  <   >  >>