للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم إنّ الآيات والأحاديث دلّت على بقاء الكفر في الأرض إلى قرب قيام السّاعة حين

ينزل عيسى بن مريم - عليه السلام -، فكانت المساعي لإبادة الكفر وأهله خلاف سنّة الله القدريّة.

ويكفي في هذا قول الباري - جل جلاله -: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٨) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (١).

إنّ الأمة الإسلامية هي في هويتها الأصليّة أمّة عقيدة ودعوة، وهذه الدّعوة إلى العقيدة هي مِلاك صلتها بالأمم الأخرى، تلك الصلة القائمة على منهج متكامل؛ القتالُ أحدُ عناصره الدّائرة مع مصلحة الدّعوة وجوداً وعدماً (٢).

ومن لم يمنع المسلمين من إقامة دين الله، لم تكن مضرة كفره إلا على نفسه (٣).

وأمّا النصوص التي استدل بها أصحاب هذه الشبهة لتشويه صورة الإسلام، وتنفير النّاس منه، باعتباره -وفق رؤيتهم- دينٌ يحث أتباعه على إهانة المخالفين وإذلالهم، وإرهابهم وتخويفهم، إلى أن يتحقق المقصود الأهم وهو قتلهم وإبادتهم، فالجواب عنها يحتاج إلى بسط، وذلك في النقاط التّالية.

أولاً: المقصود بالصّغار في آية التّوبة هو جريان أحكام الإسلام على أهل الكتاب إذا قوتلوا فأبوا الدّخول في الإسلام.

ذلك أنّ الأرضَ أرضُ الله، والإسلامَ دينُه، والعزةَ لله ولرسوله وللمؤمنين.

ومردُّ هذه العزة لا لاعتبار عنصري أو غيره، وإنما المحك اتباع شرع الله تعالى. فلو اتبعه نصرانيٌّ أو يهوديٌّ أو وثنيٌّ أو غير ذلك؛ كان من جملة المسلمين، له ما لهم، وعليه ما عليهم، لا فرق إلا بالتّقوى.


(١) سورة الممتحنة، الآيتين ٨، ٩.
(٢) انظر: ما هي علاقة الأمة المسلمة بالأمم الأخرى؟، أحمد الأحمد، مجلة الجامعة الإسلامية، العدد السّادس والعشرون.
(٣) انظر: السياسة الشرعيّة في إصلاح الرّاعي والرّعية، ابن تيميّة، ص١٥٩.

<<  <   >  >>