للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لهم (١).

والمتأمل في هذه الآية التي استدلوا بها يجد أنّ قتالَ الكفار وإبادَتهم ليس غايةً في الإسلام، إذ لو كان كذلك ما اكتفي بأخذ الجزية من أهل الكتاب وتركهم على دينهم.

ثانياً: وأمّا آيات سورة البقرة، من قوله تعالى: {واقتلوهم حيث ثقفتموهم}، فإنّ الموردين لهذه الشّبهة يجتزئون هذا المقطع ليصوروا للسّامع حثّ الإسلام على قتل المخالفين في الدين أيًّا كانوا، في كل مكان وزمان، وفي كلِّ الأحوال.

كما يصورون أنّ سفك دماء الكفار، وإبانة رقابهم عن أجسادهم، غايةٌ يحث الإسلامُ أتباعَه على تحقيقها.

والأمر فيه من التدليس والخداع ما يَبين للمتأملِ الطالبِ للحق.

فإنّ هذه الآياتِ نزلت في مشركي قريش، بدلالة قوله تعالى: {وأخرجوهم من حيث أخرجوكم}، فقد أخرجوا المسلمين من ديارهم في مكة، ووقفوا منهم موقف الحرب، فحث الله تعالى عباده على مقاتلة هؤلاء في كل مكان عدا المسجد الحرام ما لم يبدأ الكفار بالقتال فيه.

ومع هذا فقد ذكر الله تعالى في هذه الآيات أنّ المقصود من القتال في سبيله ليس سفك الدماء وأخذ الأموال، بل إظهارُ دين الله تعالى على سائر الأديان، ودفعُ كل ما يعارضه من الشرك وغيره، فإذا حصل هذا المقصود فلا قتل ولا قتال (٢).

ثم إنّ من يورد هذه الشبهة يتعامى عن الآية التي سبقت هذه الآيات، وهي قوله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (٣).

ففي هذه الآية بيانٌ لأخلاقيّات الجهاد الإسلامي، وذلك في اقتصاره على مقاتلة من


(١) انظر: نصارى نجران بين المجادلة والمباهلة، أحمد علي عجيبة، ص١٥٨.
(٢) انظر: تفسير ابن سعدي، ص٨٩.
(٣) سورة البقرة، الآية ١٩٠.

<<  <   >  >>