للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال يونس بن عبيد: ما رأيت أحداً لسانه منه على بال إلا رأيت ذلك في سائر عمله، ولا فسد منطق رجل قط إلا عرفت ذلك في سائر عمله (١).

واعلم أن أيسر حركات الجوارح حركة اللسان، وهي أضرّها على العبد.

واختلف السلف والخلف هل يُكْتَبُ جميع ما يلفظ به أو الخير والشرّ فقط؟ على قولين: أظهرهما القول الأول.

واعلم أن في اللسان آفتين عظيمتين، إن خلص من إحداهما لم يخلص من الأخرى:

آفة الكلام، وآفة السكوت، وقد يكون كلُّ منهما أعظم إثماً من الأخرى في وقتها.

فالساكت عن الحق شيطان أخرس، عاصٍ لله، ومراء مداهن إذا لم يخف على نفسه.

والمتكلم بالباطل شيطان ناطق عاصٍ لله، وأكثر الخلق منحرف في كلامه وسكوته، فهم بين هذين النوعين، وأهل الوسط - وهم أهل الصراط المستقيم - كفّوا ألسنتهم عن الباطل، وأطلقوها فيما يعود عليهم نفعُه في الآخرة، فلا ترى أحدهم يتكلم بكلمة تذهب عليه ضائعة بلا منفعة، فضلاً أن تضرّه في آخرته، وإن العبد ليأتي يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال، فيجد لسانه قد هدمها عليه كلها، ويأتي بسيئات أمثال الجبال فيجد لسانه قد هدمها من كثرة ذكر الله وما اتصل به (٢).

ولهذا جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: عظني وأوجز فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا قمت


(١) جامع العلوم والحكم، ص ٢٤٢.
(٢) الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي لابن القيم رحمه الله، ص ٢٧٦ - ٢٨١.

<<  <   >  >>