بل لأن الفكرتين كلتيهما عميقتان في التصور الإنساني مركوزتان في الفطرة البشرية.
لذلك نجد أن الرسالات السماوية لم تأتِ لإثبات هذه الغاية، بل للتذكير بها وأيضاح حقيقتها، وكذلك نلاحظ أن المباحث الفلسفية كانت تركز جهدها على الخوض في العلل الغائية للأشياء لتبني عليها نظرياتها عن الكون والحياة، ولا تبالي كثيراً بالعلل الصورية، فكان الفلاسفة يجهدون أنفسهم في البحث حول الغاية من خلق الإنسان ووظيفته في الوجود، دون أن يهتموا كثيراً في كيفية الخلق وعللها المباشرة.
فلما ظهرت نظرية التطور العضوي، ونادت بأن الإنسان وليد سلسلة طويلة من التطورات المتعاقبة، بدأت من جرثومة في مستنقع آسن وانتهت في خط سيرها المتخبط إلى صورته الراهنة، لم يعد هناك ما يدعو إلى التفكير في الغاية من خلق الإنسان.
إن هذه النظرية تنسب عملية التطور إلى العوامل الطبيعية البحتة، والطبيعة كما قال داروين:(تخبط خبط عشواء) وإذن فإنه من العبث أن نبحث عن غاية مرسومة وهدف مقصود لعملية الخلق وللوجود الإنساني، فلو أن الطبيعة وهبت الضفدعة - مثلاً - القدرة على التطور ومنحتها ما منحته صدفة واعتباطاً للإنسان؛ لكانت هي سيدة المخلوقات، وقد قال دوليان هكسلي:(من المسلَّم به أن الإنسان في الوقت الحاضر سيد المخلوقات، ولكن قد تحل محله القطة أو الفأر)(١).
وكان ظهور هذه النظرية في عصر ازدهار النظرية المكانكية أحد العوامل المشجعة على قبولها فكلا النظريتين ترجع الحوادث