وماديته بصمات واضحة في كل حقل من حقول الفكر، وصادفت هوى في نفوس الباحثين الماديين في كل مجال.
رابعاً: فكرة التطور المطلق:
كانت الحياة الأوروبية طيلة القرون الوسطى مستغرقة في سكون مطبق وجمود عام، أوحى إلى العقلية الأوروبية الخاملة -آنذاك- بفكرة الثبات المطلق في كل شيء، وأسهمت الكنيسة -بطقوسها الجامدة ووقوفها ضد كل جديد- في ترسيخ هذه الفكرة وتعميقها (١).
وأول هزة تعرضت لها هذه الفكرة كانت على يد (كوبرنيك) - من غير قصد - فدوران الأرض التي نادت به نظريته يناقض المسلَّمة البدهية في نظر عصره، وهى أنها ثابتة وما عليها ثابت كذلك، ثم إن التقدم في الكشف والبحث الذي ابتدأ منذ عصر النهضة، والذي اقتبس حيويته ونشاطه من الشرق المتحضر كان عاملاً مؤثراً في إضعاف الإيمان بهذه الفكرة.
وظهرت فكرة التطور لدى بعض الباحثين مثل:(أوجست كومت) صاحب نظرية التطور العقلي (من الخرافة إلى الدين إلى الوضعية)، وظهرت كذلك لدى (هوبز) الذي يرى أن المجتمع الإنساني تطور من الوحشية الغابيَّة إلى الحالة الاجتماعية، وكذلك (روسو) الذي قال بتطور المجتمع من الحالة الطبيعية إلى الحالة الفوضوية، مما استوجب وجود (عقد اجتماعي) بين الأفراد.
لكن هذه النظريات لم تكن من القوة والتعميم بحيث تزلزل فكرة الثبات كلية، وإن كان لها فضل في التمهيد لذلك.