وواقع التاريخ يؤكد أن العدل الرباني والطغيان البشري نقيضان لا يجتمعان، وأن الذين كانوا يحكمون بما أنزل الله -فعلاً- ويستندون في سلطتهم إلى الوحي الإلهي حقيقة هم أعظم حكام البشرية عدلاً وإنصافاً وأشدهم رحمة وتواضعاً، وأنهم بفضل ذلك قد حققوا في دنيا الواقع ما كان الفلاسفة يحلمون به في الخيال، وهاهي ذي سيرة الأنبياء الذين حكموا بني إسرائيل وسيرة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والخلفاء الراشدين ومن حذا حذوهم تظهر فيها الصورة المشرقة والنموذج الرفيع للحكم الأمثل، وعكس ذلك تماماً كان الحكام الطغاة الذين يتبجحون بنظرية الحق الإلهي، فهم يمثلون أسوأ النماذج للجبروت والاستبداد.
وهكذا كلما كان الحاكم أقرب إلى الحكم بما أنزل الله كان حكمه أقرب إلى النزاهة والاستقامة، وحالت خشية الله بينه وبين أي لون من ألوان الطغيان، وكلما ابتعد عن الحكم بما أنزل الله سقط في مهاوي الظلم؛ وتلطخت صفحة حكمه بصنوف الاستبداد وأنواع الجور.
إذن فليست نظرية الحق الإلهي على حق فيما تضفيه على حكامها من القداسة المصطنعة والعمل حسب تفويض الله وإرادته، وكذلك ليس خصومها على حق في دعوى أن الدين يحبذ الطغيان ويشجع على الاستبداد.