للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فمن الوجهة العلمية كان الفصل بين الدين والسياسة موجوداً بالفعل أي أن نوعاً من العلمانية الموضوعية كان يسود الحياة الأوروبية طيلة القرون الوسطى، وذلك أمر طبيعي ما دام الحكم بما أنزل الله غير نافذ في المجتمع.

ولكن أول من تبنى دعوة علمانية ذاتية، ودعا بصراحة إلى استبعاد للدين وعزله عن جانب مهم من جوانب الحياة هو مكيافيللي.

والمكيافيلية باعتبارها منهجاً عملياً للحكم تقوم كما رسمها واضعها في الأمير على ثلاثة أسس متلازمة مستمدة من تصور لاديني صرف هي:

١ - الاعتقاد بأن الإنسان شرير بطبعه، وأن رغبته في الخير مصطنعة يفتعلها لتحقيق غرض نفعي بحت (١)، وما دامت تلك هي طبيعته المتأصلة فلا حرج عليه ولا لوم إذا انساق وراءها.

٢ - الفصل التام بين السياسة وبين الدين والأخلاق؛ فقد رسم مكيافيللي للسياسة دائرة خاصة مستقلة بمعاييرها وأحكامها وسلوكها عن دائرة الدين والأخلاق، وفرق مكيافيللي تمام التفريق بين دراسة السياسة ودراسة الشئون الأخلاقية وأكد عدم وجود أي رابط بينهما (٢).

صحيح أن مكيافيللي لم ينكر الدين والأخلاق في ذاتهما كما هو الشأن في بعض النظريات المعاصرة، لكنه يجعل الحاكم في حل من التمسك بالضوابط المستمدة منهما، ويقصرها على أفراد الشعب.


(١) انظر الأمير: (١٤٤).
(٢) الأمير المقدمة: (٣٥).

<<  <   >  >>