٣ - إن الغاية تبرر الوسيلة، وهذه هي القاعدة العملية التي وضعها مكيافيللي بديلاً عن القواعد الدينية والأخلاقية، ولذلك فإن لها عنده تفسيراً خاصاً.
كان الكتاب السياسيون منذ القدم، ومنهم فلاسفة الاغريق كأفلاطون وأرسطو وغيرهم يبحثون عن الغاية من الدولة والهدف من وجودها (١) فرأى بعضهم أن غايتها هي تحقيق المثل العليا السامية، ولهذا جاء اشتراطهم كون الحاكم فيلسوفاً، بينما ذهب آخرون إلى أنها تنفيذ القانون الإلهي أو القانون الطبيعي كما يسمونه.
ولكن مكيافيللي ذا النزعة العملية ذهب إلى أن الدولة غاية بذاتها، والقبض على زمام الحكم هدف برأسه، ولا داعي للخوض فيما وراء ذلك.
وفى سبيل تحقيق هذه الغاية لا مانع من سلوك أي سبيل يوصل إليها، واستخدام أية وسيلة من شأنها تسهيل ذلك مهما وصفت تلك السبل والوسائل بأنها غير أخلاقية، ومهما تنافت مع الدين ومنهجه في السلوك.
فالمعيار الذي تقاس به صلاحية الوسيلة أو عدمها ليس معياراً موضوعياً؛ بل هو معيار ذاتي شخصي، وللسياسي وحده الحق في الحكم بصحة أي لون من ألوان السلوك أو خطئه وبطلانه.
تلك صورة موجزة للمكيافيلية كما ظهرت في عصر النهضة.
وبسبب نزعتها اللاأخلاقية الظاهرة عورضت بشدة في الأوساط الدينية والفكرية؛ فحرمت الكنيسة قراءة الأمير ونقده المؤلفون
(١) انظر تاريخ النظرية السياسية: الفصل الثاني الفكر الإغريقي.