بعنف، وظلت كلمة مكيافيللي أشنع وصف يمكن أن يطلق على إنسان متحلل من قيود الدين والخلق، متجرد من الإنسانية والضمير.
وهكذا بقيت زهاء ثلاثة قرون وهي في موضع المقت والازدراء، بينما نمت النظريات التي عُورضت آنفاً.
ولما جاء القرن التاسع عشر قرن الانتفاضة الشاملة على الدين والأخلاق فكرياً وواقعياً ظهرت نظرية التطور العضوي على يد داروين. وكان قانونها وقاعدتها أن الحياة صراع والبقاء للأنسب أي للأقوى بطبيعة الحال.
حينئذ آمن الناس على أساس علمي، بأن الوجود مرتبط بالقوة، وأن الصراع الحتمي على البقاء لا يسمح بالتفريق بين وسيلة وأخرى، فليست العبرة بنوعية الوسيلة، لكنها بضمان النتيجة وتحقيق الغاية التي هي البقاء في ذاته.
المكيافيللية تقول إن الحق هو القوة!
والداروينية تقول: إن الوجود هو القوة.
والداروينية نظرية علمية -إذن- فلتكن المكيافيلية كذلك.
وكانت الظروف تهيئ لمثل هذه المعادلة، فالكنيسة فقدت سلطانها الطاغي، والحياة السياسية والمجتمعة في القارة تموج بالصراعات والحروب الطاحنة والشحناء المدمرة، هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى ارتبطت السياسة - في ذلك القرن - بالاقتصاد ارتباطاً قوياً، فازدادت بعداً عن الدين والمؤثرات الدينية.
والواقع أن السياسة والاقتصاد وكل جوانب الحياة مترابطة ومتلازمة بحيث يصعب فصل كل منها عن الآخر، إلا أن الاقتصاد