أصحاب الصناعة والآلات وحدهم ونهضت الآلات بأكبر عبء من العمل فامتلأت البلاد بالعمال العاطلين، ووجد أصحاب المصانع الأحرار أن ذلك فرصة لتخفيض الأجور وإطالة ساعات العمل، ووجد العمال أن حريتهم في اختيار مهنهم كانت محدودة بمقياس الحاجة إلى ساعات طويلة في أي عمل، يعرض لهم لقاء أجور تافهة لا تكاد تقيم أودهم، وكانت جموع النساء والأطفال الذين أنهكهم الجوع والضعف يشتغلون في العمل بمعدل ١٢ ساعة في اليوم داخل حوانيت قذرة وخطرة وغير صحية لقاء أُجَر لا تكاد تقيم أودهم (١).
هكذا جاءت الديمقراطية، وهكذا تبددت الأحلام والأوهام التي نيطت بها، وأسفرت الثورة الصناعية التي واكبت الثورة الديمقراطية عن وجه كالح لا يقل شناعة وفظاعة عن صورة الإقطاع وانقلبت الحرية النسبية التي وصل إليها العمال والفلاحون قيوداً ثقيلة ترهق كواهلهم.
وتعالت الصيحات والصرخات من جديد تعلن رفضها للنظام الطبيعي، الفردي وتطالب بأنظمة جماعية ديمقراطية وظهر بقوة صوت الاشتراكيين الأوائل، ومال إليهم طوائف كثيرة من المثقفين والعمال والفلاحين، وشكلوا جبهة مضادة للرأسماليين العتاة.
وفى معمعة الصراع بين أنصار الديمقراطية الرأسمالية الفردية، ودعاة الديمقراطية الإشتراكية الجماعية ولدت نظرية التطور التي غيرت مجرى الفكر الغربي بأجمعه.
فهذه النظرية بإجهازها على المسيحية الرسمية أفسحت الطريق لإبعاد الدين عامة بصفة نهائية من التأثير في أي منحى من