هرب الطبيعيون من إله الكنيسة والتجئوا إلى (الطبيعة) يلتمسون الحق والعدل في قوانينها الأبدية، وأخيراً اكتشفوا أنهم كانوا يتعلقون بالوهم، إذ أن هذا الإله الأخرس الأعمى يستطيع كلٌ أن يقول باسمه ما يشاء ولا حرج.
وبدأ الكلاسيكيون من حيث انتهى أولئك، وأخذوا ينقبون عن معايير ذاتية مصلحية قالوا أول الأمر: إنها تساير قانون الطبيعة، ثم تنوسيت هذه العبارة، وأصبحت المنفعة المادية ذاتها هي القانون والهدف، وإذا كان لابد من وضع شعار للسياسة الاقتصادية لديهم فهو تحقيق أكبر ربح بأية وسيلة، أي: أنها كانت مكيافيللية اقتصادية بالفعل.
ومنذ ذلك الحين جرد الاقتصاد تجريداً كاملاً واعياً من أي مؤثر أو صبغة دينية بل أخلاقية، ورسمت له دائرة مستقلة تستقي أحكامها ومناهجها النظرية والعملية من مصادر ذاتية خاصة، واختفت من موازين الاقتصاد ومباحثه كل كلمة من كلمات الحق والعدل المجردين فضلاً عن الحلال والحرام، وأصبح الباحثون يختلفون حول قضية من قضايا الاقتصاد، وتتضاد آراؤهم نفياً وإثباتاً في حدود الدائرة