الاقتصادية المحصورة، ولو فرض أن أحداً دعم رأيه بأن هذا التصرف أو ذاك يحرمه الدين، فإن موجة من السخرية والاستهجان ستغمره، وسيجد نفسه في موقف رجعي للغاية، ذلك أن الجاهلية الغربية قد اقتنعت تماماً بأن الدين -إن كان- شئ شخصي لا علاقة له بشئون الحياة إطلاقاً.
وهنا نلتمس الحقيقة الواحدة المتكررة، وهي أن الجاهلية الأوروبية ترفض رفضاً باتاً أن تتلقى عن الله أي شرع، وتصر على عبادة طواغيتها المتألهين مهما أذاقوها من ألوان النكال.
وتلك هي بداية الانحراف وأساسه، وما لم تقتنع أوروبا بتعديل موقفها هذا، فإن التباحث معها في الفرعيات والجزئيات عبث لا طائل تحته.
وعلى أية حال فإن المذهب الكلاسيكي بتبنيه لشعار: تحقيق أكبر ربح بأية وسيلة قد أنتج مشكلتين خطرتين للغاية:
١ - قيام اقتصاد عالمي يجعل الربا والاحتكار اللذين حرمتهما الشرائع قاطبة عموده الفقري وموضوعه الرئيسي، مما ينذر بكارثة محققة على البشرية، وقد ظهرت -فعلاً- أعراض الكارثة وعواقبها الوخيمة جلية فيما بعد عندما قبض المرابون على ناصية الدول، وسخروا سياساتها وخططها لخدمة مآربهم الخاصة.
٢ - وضع الشعوب التي طبق عليها المذهب على حافة هاوية من الجوع والبطالة والأزمات الخانقة في عصر لم يكن للفقراء فيه أي تنظيم أو مقدرة على الضغط للمطالبة بحقوقهم، وهذه في الواقع مشكلة نشأت نتيجة حتمية للمشكلة الأولى.
ولنضرب مثالاً لذلك بالدولتين الغنيتين في القرن الماضي