يقول أليكسيس دوتوكفيل عن المجتمع الأمريكي -وهو النموذج الرأسمالي البارز-: "رغم ما شاهدت في أمريكا من حرية وثقافة يتمتع بها الكثيرون في ظروف هي خير ما يمكن أن تقدمه لهم الدنيا، فقد كنت ألمح سحابة من الحزن مخيمة فوق جباههم، حتى ظننت أن التزمت والقلق يلازمانهم في أفراحهم وأتراحهم.
إن ابن الولايات المتحدة يتعلق بمتاع هذه الدنيا، وكأنه على ثقة من أنه لن يموت أبداً، فهو يتعجل اغتراف كلما يقع في متناول يده، حتى لتحسبنه خائفاً من أنه لن يمتد به العمر حتى يتمتع بها كلها، فهو يمسك كل شئ بقبضة متراخية، ثم لا يلبث أن يتخلى عنه ليلاحق غيره من الغنائم الجديدة.
وثمة شيء قد تعجب منه للوهلة الأولى يبدو في هذا القلق الغريب المسيطر على عدد كبير من هؤلاء الذين يعيشون في سعادة وبحبوحة كبيرة من الثراء، إن هذا المشهد قديم قدم الدنيا، والجديد فيه هو رؤية شعب بأسره يضرب لنا مثلاً على ذلك.
إن تذوقهم للمسرات الجسدية يجب أن يعتبر المصدر الرئيسي للقلق الخفي، وللتغلب البارزين في أفعال الأمريكيين الذين يقدمون يومياً أمثلة جديدة عنه، فالذي يكرس نفسه لمطاردة الرفاه الدنيوي -عساه يلحق به- يسرع دائماً لضيق الوقت المحدد لبلوغه واكتناهه والتمتع به، إذ أن تذكره الدائم لقصر الحياة وزوالها شوكة ثابتة تخزه دوماً" (١).