للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بدين أو خلق، ولا تهدف إلى غاية أسمى ومثل أعلى، فماذا كانت النتيجة؟

إن بعض المنتسبين للعمل يعتقدون عن طيب خاطر، أنهم قد أحسنوا صنعاً بعزل العلم عن الدين، وإن إشفاقهم على الدين من مواجهة العلم هو الذي دفعهم إلى المناداة بالفصل التام بينهما، وهي دعوى تجد آذاناً مصغية لدى بعض المنتسبين إلى الدين كذلك.

ولكن الواقع المحسوس في أوروبا يكذب هذه الدعوى فوق أنها في الأصل تنم عن الجهل بالدين أكثر مما تدل على الحرص عليه، ولقد كان بوترو على حق حين قال ناقداً هذا الاتجاه في القرن الماضي:

(لم يعرف العلم ولا الدين أن يقتصر كفايته وعمله على ماله من ميدان فسيح، أما الحكمة الجارية (اعط ما لقيصر لقيصر وما لله لله) فقد فسرت في ذلك الوقت لا على أن الملكات الدينية في الإنسان ليس لها شأن بملكاته العلمية فقط (١).

بل على أنه يوجد في الأشياء نفسها عالمان هما الفكرة والمادة، الميدان الروحي والميدان الزمني، وليس لأحدهما أن يتدخل في شأن الآخر بأي وجه من الوجوه، ولكن هذا الفرض إذا كان توفيقاً مريحاً فليس هو الحقيقة الواقعة، بل يكاد يكون عكس هذا هو الواقع " (٢).

إن أصحاب هذا الاتجاه قد ارتكبوا غلطة كبرى -وهي من الغلطات الرئيسية للجاهلية المعاصرة- وذلك بتوهمهم أن النفس البشرية تقبل التجزئة، ويمكن أن يكون لكل جزء منها دائرته الخاصة، لقد كان أول ثمار هذا الفصل أن فشا الإلحاد بشكل


(١) حتى على هذا التفسير تظل العبارة مرفوضة من وجهة النظر الإسلامية.
(٢) العلم والدين: (٣٨).

<<  <   >  >>