موضوعي أو عامل خارجي أياً كان، وبغض النظر عن مقدار مراعاتها وتطبيقها عملياً، فإنها كانت حقائق مقررة لا مراء فيها، وكان التمسك بها مدعاة للاعتزاز، والخروج عليها مصدراً للاستنكار وجرحاً في الفضيلة والرجولة.
أما حراسة تلك القيم والأخلاق ومحاولة ترسيخها فكانت ملقاة على عاتق الكنيسة ومنوطة بجهود الآباء والرهبان الذين يقدمون النماذج العليا لها، غير أن الكنيسة بتحريفها لدين الله وابتداعها ما ليس منه أجرمت في حق نفسها وأتباعها، وأسهمت من غير قصد في هدم الأسس الأخلاقية التي قام عليها مجتمع القرون الوسطى، وقام عليها سلطانها العظيم.
وقصة أخلاق الكنيسة تحكي تناقضاً صارخاً وتبايناً عجيباً:
فمن جهة التصور اشتطت الكنيسة وغلت في تصورها للفضيلة والخلق الرفيع، ووضعت لها الشروط والمواصفات التي تنوء بالجهد البشري، ولا يستطيع استكمالها-عدا الملائكة- إلا حفنة ضئيلة من البشر تتمتع بمزايا غير عادية، ولا يصح أن تتخذ مقياساً لسائر بني الإنسان.
ومن جهة السلوك تلطخت سيرة رجال الكنيسة وأعضاء الأديرة برذائل وأرجاس يترفع عنها الفرد العادي ويتستر عليها الفاجر البذيء وقد سبق الحديث عن ذلك في الباب الأول أي: أنها في الوقت الذي تحلق فيه تعاليمها في السماء نجد أن واقعها يتخبط في الوحل! فالعفة -مثلاً- خلق إنساني نبيل فطرت عليه البشرية، ودعت إليه الأديان كافة، لكن الكنيسة بالغت في تصورها لهذا الخلق، حتى حرمت ما أحل الله، وأنكرت ما تلح عليه الفطرة، وتدعو إليه الغاية من الوجود الإنساني، وذلك بابتداعها الرهبانية وتنفيرها الشديد من