للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المرأة لذاتها، فتعاليمها تقول عن النظر المجرد: إذا نظرت عينك إلى معصية فاقلعها؛ فإنه خير لك أن تفقد عضواً من أعضائك من أن يلقى جسدك كله في النار (١).

وانطلاقاً من ذلك حرمت الزواج على رجال الدين معتقدة أن رجل الدين لا يجوز له أن يهبط إلى مستوى أخلاق الشعب، ويشاركهم في الاستمتاع الدنس!

هذا من الوجهة النظرية، أما الواقع العملي فشيء مختلف تماماً، فقد كانت الأديرة مباءات للفجور ومواخير للدعارة، وكان للبابوات والقساوسة من العشيقات والحظايا ما لا يكون لدى الملوك الدنيويين، وتولى منصب البابوية عدد من الأبناء غير الشرعيين لبعض الآباء والكرادلة (٢)

والمصيبة أن تلك الحقائق لم تكن خافية على الشعب، بل كانت حديث الألسنة ومثار الجدل.

والجشع على المال والملذات خلق ذميم - ما في ذلك شك - ولكن الكنيسة غالت في ذمه وتحريمه والدعوة إلى الزهد والتقشف، إلى درجة أنها حرمت المال الحلال، وقدست الفقر، وحظرت سبل الرفاهية، وقالت أناجيلها: مرور جمل من ثقب إبرة أيسر من أن يدخل غني إلى ملكوت الله ... وفي الوقت نفسه كان رجالها أجشع الناس وأغنى الملاك وأترف الأغنياء.

والتسامح خلق رفيع ومنقبة عظيمة - باتفاق العقول والفطر - غير أن الكنيسة بالغت في فرضه، حتى أوجبت على أتباعها قبول الذل


(١) هذا القول وأمثاله مما سيأتي تنسبها الأناجيل للمسيح عليه السلام، ولا نستطيع أن ننفي أنه لم يقلها قطعاً، لكننا نقول: إنه على فرض صحتها فإن المقصود منها الترفع والتسامي وليس التكليف.
(٢) انظر: مثلاً قصة الحضارة: ول ديورانت: (١٤/ ٣٧٥ - ٣٨٠).

<<  <   >  >>