وتحمل الظلم فقالت:"من لطمك على خدك الأيمن فأدر له الأيسر أيضاً، ومن سخرك ميلاً فامش معه ميلين، ومن نازعك رداءك فاعطه الآخر"
وقالت: باركوا لاعنيكم، وصلَّوا لأجل الذين يسيئون إليكم.
كل هذا في العقيدة والتصور، ولكن الواقع العملي يشهد أن الكنيسة ارتكبت من ألوان الظلم وفظائع الطغيان ما يتورع عنه جبابرة الفاتحين وعتاة المستبدين، ولم تعرف رحمة ولا تسامحاً حتى مع مخالفيها من أتباعها أو أبناء دينها.
وهكذا الحال في سائر الصفات النبيلة والأخلاق المحمودة.
تطرف وشطط في التصور، وإسفاف وهبوط في السلوك، وكان لهذا التناقض الصارخ أثره البالغ على الناس في واقع حياة أتباعها أيام مجدها وسطوتها، ثم في ثورة أعدائها بعد أن تصدعت أركانها، وهوجمت من كل مكان.
كان أتباعها طيلة القرون الوسطى لا يستطيعون الارتفاع عملياً إلى المستوى المثالي النظري لأخلاقها - ولهم في ذلك العذر - فكانوا يتزوجون ويجمعون المال ويثأرون لأنفسهم من ظالميهم، ويتصرفون في سلوكهم بعيداً عن قيودها التي لا تطاق، ولا يلزمون أنفسهم بتطبيق قواعد وأنماط سلوكية لم يسجل التاريخ أنها طبقت - بصورتها النظرية - على نطاق واسع في أية مرحلة من المراحل، لكنهم كانوا وهم يفعلون ذلك يجدون في أنفسهم تناقضاً وجدانياً، ويشعرون أنهم -إذا لم يكونوا على الصورة المثلى- مقصرون ومخطئون، يتعرضون للتأنيب المستمر من أعماق ضمائرهم، وكان هذا الشعور ملازماً لهم نفسياً رغم أنهم مظهرياً يمارسون الحياة العادية بكاملها.
وتولد من ذلك إحساس دائم بالذنب لدى النفسية الأوروبية