كلما تاقت إلى مباح أو استمتعت بمتاع وإن كان الحلال المحض! وهو إحساس توارثته الأجيال المتعاقبة حتى أصبح من الرسوخ بدرجة تجعل التخلص منه لابد أن يأتي في صورة ثورة نفسية هائجة ورد فعل جانح، وهو ما فعلته أوروبا الحديثة، هذا من جهة.
ومن حيث النظرة الشكلية العامة نجد أن مجتمع القرون الوسطى كان أسرياً في تكوينه، زراعياً في حرفته، إقطاعياً في طبقاته ومراتبه ولكل ميزة من هذه المميزات انعكاسه الواضح على الأخلاق الاجتماعية.
فالنظام الأسري ساعد على ترسيخ فكرة المحافظة على العرض وقداسة العلاقة الزوجية، حتى لقد كان القتل هو العقوبة المتوقعة للزوجة الخائنة أو للمعتدي على العرض.
وطبيعته الزراعية أسهمت في المحافظة على الواجبات الفردية وعلى التقاليد المتوارثة منذ القدم، والتي كانت مزيجاً من تعاليم دينية وأعراف اجتماعية، تشكل بمجموعها قواعد أخلاقية ثابتة يلتزم بها المجتمع.
ولكن هذه الحال -في الوقت نفسه- بإهمال الكنيسة وأحياناً بإشرافها، ساعدت على تشرب المجتمع لأفكار عتيقة وخرافات بالية من بقايا الأساطير القديمة أو من اختلاق الأقوال الساذجة، روجها الجهل المطبق وهبوط المستوى العقلي للعامة والخاصة، فتشابكت مع تلك القواعد الأخلاقية وامتزجت هذه بتلك مما أغرى الباحثين الاجتماعيين اللادينين بالاعتقاد بأن تلك، الأخلاق وليدة الخرافات نفسها أو قرينتها الدائمة.