تحاول فيه كل مجموعة وكل فرد الدفاع عن مصالحه الخاصة قبل كل شيء (١).
ولنستمع إلى تجربة شاب أوروبي معاصر وهو يروي معاناته ومعاناة جيله كله:"لقد تميزت العقود الأولى من القرن العشرين بالفراغ الروحي، لقد أصبحت جميع القيم الأخلاقية التي ألفتها أوروبا عدة قرون غير ذات شكل مقرر محدود، وذلك بفعل الفظائع التي كانت قد حدثت ما بين ١٩١٤ - ١٩١٨، ولم يكن يبدو أن مجموعة جديدة من القيم ستفرض نفسها، لقد كان في الجو شعور من الهشاشة والخطر وإحساس مسبق بالجيشان الاجتماعي والعقلي جعل المرء يشك فيما إذا كان من الممكن أن يكون هناك مرة أخرى استقرار في أفكار الإنسان ومساعيه، كان كل شيء يبدو كأنه يسيل في فيضان غير منتظم ولم تستطع الحيرة الروحية لدى الشباب أن تجد لنفسها موطئ قدم، وبسبب فقدان المقاييس الأخلاقية الموثوق بها لم يستطع أحد أن يقدم إلينا -نحن الشباب- أجوبة مرضية عن كثير من الأسئلة التي كانت تحيرنا، كان العلم يقول: المعرفة هي كل شيء ونسي أن المعرفة دونما هدف أخلاقي لا يمكن أن تؤدى إلا إلى الفوضى والغموض".
إن المصلحين المجتمعين والثوريين والشيوعيين لم يكونوا يفكرون إلا بمقتضى ظروف خارجية اجتماعية أو اقتصادية، ومن ناحية أخرى فإن رجال الدين التقليدين لم يعرفوا شيئاً أفضل من أن يعزوا إلى إلههم صفات مقتبسة من عاداتهم الخاصة في التفكير، تلك العادات التي كانت قد أصبحت باردة لا معنى لها منذ زمن طويل.
(١) الإنسان في المجتمع المعاصر: مقتطفات: (١٦/ ٤٤/١٣٢/ ٢٢٠).