وقوامه التجسس وطابعه الذعر والإرهاب لا يمكن بحال أن يكون مجتمعاً إنسانياً سليماً، وأنى يكون كذلك وهو يهدر قيمة الإنسان وكرامته في مقابل زيادة الإنتاج؟! ويجعل الغرض الأساسي لوجوده هو الكدح في معسكرات العمل أو المزارع الجماعية؟!
إن الحزب الشيوعي الذي يتحكم في أقوات الناس ويعلق سيفه الرهيب فوق رءوسهم، يملك فرصة أكبر للتحكم في أخلاقهم وعاداتهم ويعتمد أن يصوغ البشر في قوالب معينة حصيلتها النهاية إفساد الإنسانية وتحطيمها، فالفرد في ظل الأنظمة الحمراء مجبر على أن يحشر هو وكامل أفراد أسرته في غرفة واحدة هي غرفة جلوسهم ونومهم ومطبخهم، ثم هي غرفة في مجتمع إسكاني ضخم غير متجانس، فالشقة التي تتكون من ست غرف يكون معدل سكانها ثلاثين نسمة ينتمون لست أسر، منها أسرة من البلد نفسه، ومنها أسرة تعرض ربها للنقل التأديبي من إحدى الجمهوريات النائية، وثالثة تسكنها -مثلاً- أسرة قادمة من إحدى الدول الديمقراطية الشعبية التابعة لموسكو ... وهكذا، ويشترك سكان الشقة في دورة مياه واحدة، بالإضافة إلى أن دورات المياه العامة قد تكون بنيت بلا أبواب منذ إنشائها، وإذا كانت الغرفة لاتحتوي إلا على سرير واحد فردي، فإن الأبوين ينامان عليه حين ينام الأبناء ذكوراً وإناثاً حتى من البالغين على المنضدة متلاصقين، وهي المنضدة التي يستعملونها للمطبخ بالنهار، (١) وهذا بالطبع غير المساكن العمالية الملحقة بالمصانع، والتي حشر فيها العمال والعاملات الذين يصلون إلى عدة آلاف في المصانع الكبرى.
ويبلغ تعمد الإفساد في الدول الشيوعية حداً يجعل السياح العاديين الذين يتاح لهم التجول في البلاد الشيوعية يرونه بوضوح.
(١) انظر الديمقراطية والشيوعية: وليم أينشتاين: (٢٦٣ - ٢٦٤).