للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بين الاتجاه الرومانسي والمسيحية، فالمسيحية كما عرفوها تكبت الإنسان وتصيبه بالميلانخوليا، ومن ثم فهي مسئولة عما أصاب الإنسانية من الانطواء والكآبة، وقد عزا الناقد الرومانسي الألماني شليجل الكآبة إلى الدين المسيحي الذي جعل الإنسان منفياً يشتاق إلى وطنه البعيد (١)

وانطلاقاً من ذلك وتمشياً مع التركيز على التعبير عن الذات جهد أولئك في أن يحولوا الشوق الصوفي المسيحي الذي كان يتجه إلى الله أو يسوع إلى حب عذري أو إباحي يعبر عنه في أسلوب غنائي، ويتجه إلى الجمال الخارجي للمحبوب الذي كان في الغالب امرأة وأحياناً الطبيعة.

ثانياً: الثورة على العقلانية التي سادت القرنين (١٧ - ١٨):

سبق أن عرفنا كيف فاجأ عصر التنوير أوروبا المسيحية بتلك الكلمتين المقدستين لديه (الطبيعة والعقل)، وجعل الأولى رمزاً خفياً للوثنية يحل محل اسم الله في المسيحية، والثانية وسيلة إلى فهم الإله الجديد بدلاً من وسيلة المسيحية الوحي.

ولقد وثق الهاربون من طغيان الكنيسة العلمي في مقدرة العقل وثوقاً أعمى، وكان لكشف كوبرنيكس، وقوانين جاليلو ونيوتن ومبادئ بيكون وديكارت العقلية أعظم الأثر في تمجيد العقل بل عبادته، ولما كان جل همم إغاظة الكنيسة والانتقام من عبوديتها فقد اشتطوا وغلوا في ذلك إلى أبعد الحدود.

لكنهم ما كادوا يلتقطون أنفاسهم وتستقر أعصابهم من مطاردة الكنيسة حتى بدأ بعضهم يبحث عما إذا كان إله العقل جديراً بما أعطي من قيمة وتقديس أم لا؟


(١) ثلاثة قرون من الأدب: (١/ ١٣٤).

<<  <   >  >>