وكانت النتيجة مرة، وهي أن العقل عاجز حقاً عن تفسير الطبيعة، وإذ كان كذلك فهو أعجز عن تفسير النفس الإنسانية وفهمها.
وتساءل أولئك: أليس من طريق للثورة على الكنيسة والوصول إلى فهم الطبيعة والإنسانية إلا طريق العقل وحده؟
واستطاعوا أن يكتشفوا طريقاً آخر أرحب من العقلانية بمنطقها الجامد وقوالبها المحددة، وأقوى من العقل اختراقاً للأسرار وتبديداً للغموض، ألا وهي الشعور العاطفي، ذلك الشعور الذي يمتطي آفاق الخيال الواسعة، فيسبر أغوار الذات الإنسانية العميقة، ويستجلي جمال الطبيعة، وهكذا أخذ الرومانسيون يرتفعون رويداً رويداً عن الأرض ويحلقون في الفضاء السحيق، ولكن إلى غير الله ومن غير طريق المسيحية.
كانوا يتحدثون عن الحب، ويبحثون عن الجمال ويفلسفونهما في أساليب ضبابية كثيفة، كما كانوا يتحدثون عن الشياطين والملائكة والسحر والعوالم المجهولة في محاولات دائبة ويائسة لاستكناه أسرار الكون وتحقيق السعادة الداخلية.
وأصبحوا ينقبون عن الحقائق الأبدية لا في الكتاب المقدس ولا في المؤلفات العقلية، ولكن في صفحة الطبيعة الخلابة ومناظرها الحالمة، وكل هذا أفضى بهم بالطبع إلى مثالية مغرقة جوفاء أعظم في بعض جوانبها من تلك التي انتقدوها على الكلاسيكيين.
ونتيجة أخرى مهمة هي أن الرومانسية باعتقادها أن غاية النشوة وقمة السعادة تكمن في أن يطلق الإنسان عنان نفسه لتذوب في حب الطبيعة وتفنى فيها كما يفني الصوفي في معبوده، ولذا أحلت الطبيعة محل الله والشعور محل العقل -بهذا الاعتقاد- تكشفت عن صورة