الأولى: الثورة على التقاليد الإقطاعية والمسيحية، وذلك قد لا يعدو في الحقيقة أن يكون جزءاً من الثورة على طغيان الكنيسة وظلم الإقطاع يتخذ مظهراً مغايراً، وإذا كان بلزاك (١٨٥١) هو أحد الرواد للواقعية، فلنقتطف شاهداً على ما نقول من إحدى رواياته؛ وهو محاورة بين قسيس عجوز وامرأة لم توفق في حياتها الزوجية: "قال العجوز: على أي حال يا سيدتي الماركيزة، هل فكرت قليلاً في كتل الآلام البشرية؟ هل رفعت عينيك نحو السماء؟
قالت: لا يا سيدي إذ تثقل القوانين الاجتماعية بشدة على قلبي وتمزقه لي تمزيقاً، حتى لا أستطيع الارتفاع بنفسي إلى السموات، ولعل القوانين ليست في قسوة آداب المجتمع. أوه! المجتمع!
- علينا يا سيدتي: أن نطيع هذه وتلك، فالقانون هو الكلمة، والآداب هي أفعال المجتمع.
عادت تقول الماركيزة مبدية حركة اشمئزاز: طاعة المجتمع؟ هيه! يا سيدي: إن شرورنا جميعاً تنشأ عنه، لم يضع الله أي قانون للشقاء، ولكن عندما تجمع الناس بعضهم مع بعض أفسدوا عمله، (١) ونحن (نحن النساء) لقد عاملتنا المدنية بأسوأ مما عاملتنا الطبيعة به، فالطبيعة تفرض علينا الآلام البدنية التي لم تخففوها في حين أضافت المدنية المشاعر التي تخونونها باستمرار، إذ تخنق الطبيعة الكائنات الضعيفة على حين تحكمون عليها أنتم بأن تعيش كي تقوموا بتسليمها إلى شقاء دائم، ويؤدي الزواج - وهو نظام يرتكن إليه المجتمع - إلى إشعارنا نحن وحدنا بأثقاله، فللرجل الحرية، وللمرأة الواجبات، علينا أن نهبكم حياتنا بأكملها، وليس عليكم من حياتكم
(١) من هذه العبارة يبدو تأثر بلزاك بنظرية روسو عن العقد المجتمع.