نحونا إلا لحظات نادرة، ثم إن الرجل يختار هناك حيث نرضخ نحن عن عمى، أوه! يا سيدى لعلي أستطيع أن أقول لك كل شيء، فالزواج على نحو ما يطبق اليوم يبدو لي دعارة مشروعة منه تنبع كل آلامنا، وبعد أخذ ورد تعود الماركيزة فتقول للقسيس:" .. إنكم تفضحون المخلوقات المسكينة التي تبيع نفسها في مقابل بعض الدراهم لرجل عابر، فالجوع والحاجة تحللان هذه العشرة العابرة، هذا في حين يغفر المجتمع ويشجع الزيجات المباشرة برغم بشاعتها بين فتاة ساذجة ورجل لم تره أكثر من ثلاثة أشهر، فتباع طول حياتها، لا شك أن الثمن مرتفع إذا كنتم عندما تسمحون لها بالمكافأة على آلامها تقومون بتشريفها، ولكن لا ... إذ أن المجتمع يفتري على أفضل الفاضلات من بيننا! ذلك مصيرنا في وضوح من كلا وجهيه: الدعارة العامة والخزي والفضيحة، أو الدعارة الخفية والشقاء"(١).
والآن نستطيع أن نحكم بما إذا كانت واقعية بلزاك تهدف إلى تصوير مأساة بعض النساء أم تهدف إلى تصوير إفلاس رجل الدين وتهافت وفظاعة التقاليد، وليس غريباً بعد ذلك أن تصر معظم الروايات الواقعية على تصوير المجتمع في صورة العدو اللدود الذي يكبل الفرد ويحد حريته وتطلعاته.
الثانية: الهجوم المباشر على حقائق الدين: منذ بدء حركة النهضة نجد روح الكراهية للدين من قبل الأدباء والفنانين واضحة في إنتاجهم الشعري والفنى، إلا أن هذه الروح كانت تعبر عن نفسها من خلال الهجوم على رجال الدين، وفي القليل تجرأت على الهجوم المباشر على حقائقه، من ذلك ما رأينا في كوميديا دانتي وما سبق من قول
(١) امرأة في الثلاثين: (١٤٥ - ١٥٤) ترجمة عبد الفتاح الديدي.