وهناك -أيضاً- النظريات العلمية الجديدة لا سيما النسبية ودورها يتجلى في أنها أفقدت الناس قيمة الأحكام المطلقة والإيمان والثقة في أية أسس ثابتة وعامة، ثم إنها تستعمل في بحوثها عن الكون والإنسان أرقاماً مذهلة يعجز العقل عن تصورها، وتتكلم بلغة محيرة مربكة تجعل المرء فريسة تناقض حاد بين إيمانه الوثيق بعلميتها وصدقها وبين عجزه عن إدراك مدلولاتها وتفسير معمياتها.
وهناك الوسائل الفنية الجديدة، كالسينما والتليفزيون والصحافة المتطورة ودور النشر الكبيرة، تلك التي جعلت تعميم المادة الأدبية وذيوعها أمراً ميسوراً للغاية وخلقت جواً من التنافس بين المؤلفين والمنتجين والرسامين:
بهذه المؤثرات جميعاً تأثر الأدب المعاصر وانفصل بالتالي عن الدين انفصالاً حاسماً ومهما قيل في تعداد مدارسه ومذاهبه، فإنه يتذبذب بين اتجاهين رئيسين هما: الإباحية والضياع، ويطلق النقاد على الأدب المعاصر في الجملة مسمى اللامعقول، وهو إطلاق له ما يبرره لاسيما في مدارس الضياع، ولا يرون أي تناقض بين ذلك وبين وصفه بأنه أدب واقعي، فإن واقعية القرن العشرين تتجلى في لا معقوليته.
والواقع أن الارتداد من الواقعية إلى اللامعقول يشبه الانتقال من الكلاسيكية إلى الرومانسية مع اختلاف صوري فقط، على أن رباط الوثنية يظل هو الرباط المشترك بين الجميع.
أولاً: الاتجاه الإباحي:
في كل مراحل التاريخ الأدبي الأوروبي لم ينفك الفن عن الإباحية، إلا أن صورها كانت تختلف وتسير متطورة ولكن إلى أسفل، وما أصدق قول برنتن: