للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقانونها وبنائها، ويظل يترافع مدافعاً عن نفسه دون أن يعرف ماهية القضية، ويظل رهن الاعتقال إلا أنه اعتقال غير مألوف، فهو حر مأسور في آن واحد، يخضع للملاحقة والمتابعة في كل مكان، ويظل يشكو حاله لمعارفه وأصدقائه ويبحث عن محام قدير، لكنه يكتشف -يا للمصيبة- بأن معارفه كلهم أعضاء مجهولون في المحكمة الغريبة! حتى رجل الدين الذي لقيه صدفة في إحدى الكنائس، هو أيضاً عضو في المحكمة، وبعد فصول طويلة معقدة من المحاكمة ومع أنه لا يزال يجهل التهمة تنتهى حياة المتهم (١) بأن يقتاده مجهولان ويغتالانه خارج البلدة، وكانت آخر كلمة قالها (مثل الكلب) يعني: نفسه.

وتنتهى صفحات الرواية وفصول المحاكمة مبتورة، والموضوع لا يزال معلقاً فهي في الحقيقة لم تتم ولا يريد كافكا أن تتم!

والقضية، في حقيقتها، هي قضية الوجود الإنساني على هذه الأرض، قضية الحياة ذاتها كما تبدو للإنسان اللامنتمي، فمن خلال رؤيته يبرز إلى الوجود دون سابق استشارة، ويظل رهن الحياة تتقاذفه أقدارها ويطويه الليل والنهار، وهو قابع في متاهة يلهث ويتحسر حتى يداهمه الفناء المحتوم، دون أن يعرف السر في وجوده والقضية التي لأجلها جاء ثم ذهب واضمحل!

٢ - الشيخ والبحر "همنغواي":

هنا يأتى اللامنتمى بنموذج آخر لتصوير المأساة الإنسانية وتجسيد المعضلة والمنعطف للحضارة البشرية، حيث تكون الكارثة والخسارة الفادحة هي النتيجة والثمرة من عمر طويل وخبرة كافية وصراع مرير في الأعماق!


(١) من الواضح أنه رمز لاسم كافكا.

<<  <   >  >>