هكذا اضطرت الكنيسة إلى مسايرة الواقع بعد أن رأت الفتور المتزايد في إقبال الناس عليها، فقد أصبحت الحفنة التي تقصدها هي مجموعة من العجائز الجاهلات والمتسولين وشواذ الناس.
وقد أقلقت هذه الحالة المتردية بعض المشفقين على الدين من الكتاب الاجتماعيين حتى قال اثنان منهم في كتاب أصدراه:"قد يحسب البعض أنه ليس هناك من صلة مباشرة بين الحياة اليومية ومشاكل العيش من جهة وبين الدين من جهة ثانية، ولكن هذا الرأي كان يبدو غريباً لو عرض في القرون الوسطى -مثلاً- بل لعله كان يعد كفراً أو دعوة إلى الكفر في رأي الكنيسة آنذاك، لأن مجال الكنيسة كان يتناول كل ما قد يصدر عن الإنسان من قول أو عمل، أما أبناء هذا العصر الذين بلغوا من حياتهم ما بلغوا بفضل فلسفات تحل العقل والمنطق فوق كل شيء فقد يصعب عليهم أن يفهموا فهماً تاماً تلك الحقبة من الزمن التي كان يعيش فيها الإنسان ضمن دائرة رسمتها له الكنيسة وقوانينها ونظمهاً.
أجري منذ زمن قريب استفتاء عن الدور الذي يلعبه الدين في حياتنا اليومية، فكانت النتيجة أن الدين لا يلعب دوراً كبيراً على الأقل على المستوى الشعوري- في قرارات الآلاف من الأشخاص، وليس السبب أن هؤلاء غير متدينين فكثيرون منهم من رواد الكنائس، بل السبب أنهم لا يرون صلة بين تصرفاتهم اليومية وبين تدينهم، وأكثرهم يعترف بأن الدين لا ينفذ إلى أعماقهم، وطالما آلمت هذه الظاهرة الكثيرين خصوصاً رجال الكنيسة الذين ينتبهون إلى أنهم لم يبلغوا إلاَّ القشور من الإنسان، وأنهم عجزوا عن إيصال الدين إلى صميم الإنسان وأعماقه" (١).
(١) مارلي تشايلد وزميله: البداية أم النهاية: (٦، ١٢٧).