يقول الفيلسوف الإنجليزي جود:"سألت عشرين طالباً وتلميذةً كلهم في أوائل العقد الثاني من أعمارهم: كم منهم مسيحي بأي معنى من معاني الكلمة؟ فلم يجب بنعم إلا ثلاثة فقط، وقال سبعة منهم: إنهم لم يفكروا في هذه المسألة أبداً، أما العشرة الباقية فقد صرحوا أنهم معادون للمسيحية"(١).
فإذا كان الدين قد فقد قيمته في قرارات النفوس ومشاعر الجمهور بهذه الصفة فهل يليق بأحد أن يسأل بعد عن دوره في واقع الحياة الغربية؟ وهل يمكن أن يكون ذلك إلا نتيجة العلمانية التي أطبقت على نواحي الحياة وتسربت في كيان الأفراد والجماعات؟
إن هذا المجتمع الذي يزعم أن علمانيته من النوع غير المضاد للدين هو نفسه الذي تجري فيه هذه الاستفتاءات، وهو نفسه الذي قال أحد كتابه التربويين يصف العنت الذي لقيه من جراء حمله للكتاب المقدس، لا تديناً بل هواية الاطلاع فقط: "لقد قرأت الكتاب المقدس في العشرينات من عمري، وليس ذلك أمراً عادياً إلا في تقليد الأسر المتدينة، حيث تكون قراءة الكتاب المقدس طقساً من الطقوس (!)، لقد كانت محنة أن أحمله معي في طريقي للعمل وفي عودتي على مدى أشهر، وقد تغلبت على المشكلة، فلففته بالورق كما لو كان كتاباً من الكتب المدرسية، وبذلك أخفيته عن الأنظار كأنما هو شيء شائن (!)، ومع ذلك فلم أكن لأفتحه في طريقي للعمل إلا أن من جلس بجواري استطاع أن يكتشفه، فنظر إلي