وقد أدرك أتين دينيه هذه الحقيقة وكانت إحدى دوافع اعتناقه للإسلام يقول:
(الوسيلة هي إحدى كبريات المسائل التي فاق بها الإسلام جميع الأديان، إذ ليس بين الله وعبده وسيط، وليس في الإسلام قساوسة ولا رهبان، إن هؤلاء الوسطاء هم شر البلايا على الأديان، وإنهم لكذلك مهما كانت عقيدتهم ومهما كان إخلاصهم وحسن نياتهم)(١).
إن الإسلام ليس فيه شيء اسمه رجال دين أصلاً، بل أن هذه الكلمة المحدثة لا يستعملها إلا مغرض مضلل أو ساذج مخدوع، فالتصور الإسلامي أساساً يرفض فكرة وجود أشخاص أو مجالات دنيوية لا علاقة لها بالدين أو دينية لا علاقة لها بالحياة، بل هو يجعل النفس البشرية ومثلها الحياة البشرية وحدة متناسقة، ويخاطبها على هذا الأساس، ويربطها بالله تعالى مباشرة في توحيد خالص مجرد (راجع الفصل السابق).والله تعالى يقول:((وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ)) [البقرة:١٨٦] ويقول: ((وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ)) [آل عمران:١٣٥] فأين هذا من تعاليم النصرانية المحرفة، حيث يجلس المذنب على كرسي الاعتراف أمام عبد مخلوق مثله يقر بذنوبه ويلتمس منه المغفرة والرضوان؟!
لقد صان الله الإسلام من تلك الملابسات التي أدت إلى وجود الطائفة الكهنوتية النصرانية محرفة لدين الله محتكرة لكتبه، فلم يوجد مثل هذه الطائفة في واقع الحياة الإسلامية، كما أنه لم يوجد لها مبرر في العقيدة والتصور.