ذلك موجز القصة كما رواها إنجيل يوحنا، وخلال التحقيق مع المسيح وردت هذه الكلمة عنه "مملكتي ليست من هذا العالم" كما يقول الإنجيل - وهو إن قالها، فإنما كان يريد أن يقول لبيلاطس: لست ملكاً من النوع الذي تتصوره أنت واليهود، على طراز قيصر وكسرى؛ فإن الملك الذي تتخيلونه أنتم بمعنى العزة والمجد العريض والشرف الباذخ، ليس حظي منه في هذه الدنيا وإنما هو عند الله في دار كرامته الخالدة، وما دمت لست طامعاً في مناصبكم الدنيوية ومظاهركم الكاذبة، فما الذي يحملكم على تجريمي وبأي حق تدينوني؟
لم يقل المسيح ولم يرد أن يقول: إنني بعثت إلى الضعفاء والعجزة لأعظهم في الكنائس، ولأعمر بهم الأديرة، وتعاليمي ليست سوى طقوس روحانية لا علاقة لها بالحياة، كما فهمت الكنيسة، فقد أعلن دعوته صريحة على الملأ:"لا تظنوا أني جئت لألقي سلاماً على الأرض، ما جئت لألقى سلاماً بل سيفاً"(١).
ولم يقل كما قال اليهود: ليس لي ملك إلا قيصر، ولو قال ذلك أو شيئاً منه لربما سلم من الأذى وبرئ من التهمة، لكن حاشا أن يقول ذلك، وهو رسول الله الذي أرسله لهدم كل سلطان لغير الله في الأرض، ومهما ظل عاجزاً عن هدمه فلن يقر ويعترف به.
ومع ذلك فقد كان يعلم من الله أن نهايته قد أوشكت، وأنه لن يكون له سلطان في هذه الحياة الدنيا، ولذلك لم يأمر أحداً من أتباعه بالدفاع عنه، بل أمر رجلاً منهم سل سيفه أن يغمده، وقال ذلك لبيلاطيس صريحاً:"لو كانت مملكتي من هذا العالم لكان خدامي يجاهدون لكيلا أسلَّم إلى اليهود، ولكن الآن ليست مملكتي من هنا".