للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العبادة في الإسلام ليست محصورة في أعمال من الخشوع الخالص كالصلوات والصيام مثلاً، ولكنها تتناول كل حياة الإنسان العملية أيضاً، وإذا كانت الغاية من حياتنا على العموم عبادة الله، فيلزمنا حينئذٍ ضرورة أن ننظر إلى هذه الحياة في مجموع مظاهرها كلها على أنها تبعة أدبية متعددة النواحي، وهكذا يجب أن نأتي أعمالنا كلها حتى تلك التي تظهر تافهة على أنها عبادات (أي: نأتيها بوعي) وعلى أنها تؤلف جزءاً من ذلك المنهاج العالمي الذي أبدعه الله؛ تلك حال ينظر إليها الرجل العادي على أنها مثل أعلى بعيد، ولكن أليس من مقاصد الدين أن تتحقق المثل العليا في الوجود الواقع؟!

إن موقف الإسلام في هذا الصدد لا يحتمل التأويل، إنه يعلمنا أولاً أن عبادة الله الدائمة والمتمثلة في أعمال الحياة الإنسانية المتعددة جميعها هي معنى هذه الحياة نفسها، ويعلمنا ثانياً: أن بلوغ المقصد يظل مستحيلاً ما دمنا نقسم حياتنا قسمين اثنين: حياتنا الروحية وحياتنا المادية، يجب أن تقترن هاتان الحياتان في وعينا وفي أعمالنا لتكون كلاً واحداً متسقاً، إن فكرتنا عن وحدانية الله يجب أن تتجلى في سعيها للتوفيق والتوحيد بين المظاهر المختلفة في حياتنا ..

هناك نتيجة منطقية لهذا الاتجاه هي فرق آخر بين الإسلام وبين سائر النظم الدينية المعروفة، ذلك أن الإسلام على أنه تعليم لا يكتفي بأن يأخذ على عاتقه تحديد الصلات المتعلقة بما وراء الطبيعة بين الأرض وخالقه فقط.

ولكن يعرض أيضاً بمثل هذا التأكيد على الأقل للصلات الدنيوية بين الفرد وبيئته الاجتماعية أن الحياة الدنيا لا ينظر إليها على أنها صدفة عادية فارغة، ولا على أنها طيف خيال للآخرة التي هي آتية لا ريب فيها من غير أن تكون منطوية على معنى ما، ولكن على أنها

<<  <   >  >>