- تقدم معنا أن الحنابلة يرون أن الماء إذا استخدم في طهارة مستحبة فإن حكمه أنه: طهور مكروه.
وهنا بين المؤلف ’ أن الماء إذا رفع بقليله حدث - أي أنه استعمل في طهارة واجبة - فإنه يكون عندهم طاهر. أي: لا يرفع الحدث.
الدليل: قالوا: أن النبي ‘ يقول: (لا يغتسلن أحدكم في الماء الدائم وهو جنب).
قالوا: لولا أن هذا الاغتسال يؤثر في الماء لم ينه عنه النبي ‘.
ولاحظ أن النبي ‘ قال: (وهو جنب). يعني: أن هذا الاغتسال: اغتسال واجب.
فقال الحنابلة: لماذا نهى النبي ‘ عن هذا الأمر؟ إلا أنه يؤثر في الماء فيرفع عنه الطهورية ويصبح طاهر.
وهذا استدلال قوي.
ولابد أن نفهم هذا أن الحنابلة رحمهم الله يستدلون بأدلة قوية فليست أدلتهم بالضعيفة.
القول الثاني: أن الماء إذا رفع بقليله - أو بكثيره من باب أولى - الحدث فإنه: يبقى طهور.
استدلوا على هذا: بأن النبي ‘ (كان يغتسل هو وأزواجه جميعاً) كما تقدم معنا في حديث عائشة بالبخاري. فكانت تغتسل هي والنبي ‘ وكانت تقول له: دع لي. دع لي.
أي: أن الاغتسال يتم بالتدرج فتغمس يدها فتأخذ من الماء وتغتسل. ولو كان الماء إذا رفع به الحدث يصبح طاهراً وليس بطهور لم يكن النبي ‘ يغتسل بفضل طهور عائشة.
وهذا القول هو الصواب.
ووجه الترجيح: ما تقدم أن حديث عائشة أخص بالمسألة.
نحتاج أن نجيب عن الحديث الذي استدل به الحنابلة (لا يغتسلن أحدكم في الماء الدائم وهو جنب) فنقول: إن هناك عدة أجوبة عنه:
- أقواها: أن النبي ‘ نهى عن ذلك لئلا يتخذ مثل هذا الفعل عادة فيؤدي ذلك إلى تغيرالماء واستقذار الناس له ففي القديم كان الناس يعتمدون اعتماداً كبيراً على المياه والبرك فإذا اغتسل بعض الناس في هذا الماء فقد أفسده على الباقين.
وهذا الحمل حمل قوي في الحقيقة إذا تأمل فيه الإنسان وجد أنه تفقه قوي فنحمل الحديث على خشية استقذار الناس لا على التنجيس.
(((ونسينا أن نقول لكم - وأنا أهتم بهذا وأريد أن تهتموا به - أن الحنابلة استدلوا بأن النبي ‘ (نهى أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة) وقد أجبنا عن هذا الحديث في موضعه وبينا القول الثاني - نقول أيضاً: