للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة" (١).

وقد أَغْنَانَا الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- عن إتعاب النفس في هذا الموضوع، وقال لنا فيه الكلمة الحق؛ وهي الكلمة الفصل التي لا نحتاج معها إلي غيرها (٢)؛ وذلك أنها تمثل الحقيقة، وتُفَسِّرُ الأمر تفسيرًا يدرك الإنسان صدقه عندما ينظر إلى رؤاه، ورؤى الناس في ضوء ما أخبر به المصطفى -صلى اللَّه عليه وسلم-.

يقول الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- في الحديث الذي يرويه ابن ماجه:

"إنَّ الرُّؤيَا ثَلَاثٌ: مِنْهَا أَهَاوِيلُ مِنَ الشَّيْطَانِ ليَحْزُنَ بِهَا ابْنَ آدَمَ، وَمِنْهَا مَا يَهمُّ بِهِ الرَّجُلُ في يَقَظَتِهِ فَيَرَاهُ في مَنَامِهِ، ومِنْهَا جُزْءٌ مِنْ ستَّةٍ وأَرْبَعينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ" (٣).

وفي الحديث الآخر عند الترمذي: "الرُّؤيَا ثَلَاث: الحْسَنَةُ بُشْرَى مِنَ اللَّهِ، والرُّؤيَا يُحَدِّثُ الرَّجُلُ بِهَا نَفْسَهُ، والرُّؤيَا تَحْزِين مِنَ الشَّيْطَانِ" (٤).


(١) رواه البخاري (٦/ ٢٥٧٤) (٦٦١٤)، ومسلم (١٥/ ٢٥، ٢٧) (٢٢٦٣)، قال القرطبي: قال ابن عبد البر: "اختلاف الآثار في هذا الباب في عدد أجزاء الرؤيا ليس ذلك عندي اختلاف تضاد وتدافع -والله أعلم-، لأنه يحتمل أن تكون الرؤيا الصالحة من بعض من يراها على حسب ما يكون من صدق الحديث، وأداء الأمانة، والدين المتين، وحسن اليقين، فعلى قدر اختلاف الناس فيما وصفنا تكون الرؤيا منهم على الأجزاء المختلفة العدد، فمن خلصت نيته في عبادة ربه ويقينه وصدق حديثه، كانت رؤياه أصدق، وإلى النبوة أقرب، كما أن الأنبياء يتفاضلون". اهـ. من "الجامع لأحكام القرآن" (٩/ ١٢٣)، وانظر: "أحاديث العقيدة التي يوهم ظاهرها التعارض في الصحيحين" ص (٦٤٤ - ٦٥٣).
(٢) وقد فصَّلت سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر الرؤيا، حتى إن "كتاب التعبير" الذي عقده البخاري في "الجامع الصحيح" احتوى تسعة وتسعين حديثًا، وافقه مسلم على تخريجها كلها إلا قليلًا، كما أورد فيه عشرة آثار عن الصحابة والتابعين، وانظر: "فتح الباري" (١٢/ ٤٤٦).
(٣) "صحيح ابن ماجه" (٣١٥٤) (٢/ ٣٤٠).
(٤) "صحيح سنن الترمذي" (١٨٦٧) (٢/ ٢٦٢)، فالرؤيا كالكشف: منها رحماني، ومنها نفساني، ومنها شيطاني، كما قال ابن القيم في "بدائع الفوائد" (١/ ١٥٤).

<<  <   >  >>