للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الفَرقُ بَينَ الفِرَاسَةِ والإلهَامِ

أن الفراسة قد تتعلق بنوع كسبٍ وتحصيلٍ، وأما الإلهامُ فموهبة مُجَرَّدَةُ، لا تُنَالُ بكسبٍ البتة (١).

هل في الأُمَّةِ المُحَمَّديَّة مُحَدثَّونَ؟

قال الإمام المحقِّق ابن قَيِّمِ الجوزية -رحمه اللَّه - تعَالَى-: "وسمعت شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية -رحمه اللَّه- يقول: جزم (٢) بأنهم كائنون في الأمم قبلنا، وعَلَّق وجودهم في هذه الأمة بـ "إن" الشرطية، مع أنها أفضل الأمم؛ لاحتياج الأمم قبلنا إليهم، واستغناء هذه الأمة عنهم بكمال نبيها، ورسالته، فلم يُحْوِج الله الأمة بعده إلى مُحدَّث، ولا مُلْهَم، ولا صاحب كشف، ولا منامٍ، فهذا التعليق لكمال الأمة، واستغنائها لا لنقصها" (٣).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه اللَّه - تعَالَى-:

"وأمَّا مُحمَّد -صلى الله عليه وسلم- فبُعِثَ بكتاب مستقلٍّ، وشرع مُستقِل كامل تامٍّ لم يُحْتَجْ معه إلى شرع سابق تتعلمه أمته من غيره، ولا إلى شرعٍ لاحقٍ يكمل شرعه؛ ولهذا قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في الحديث الصحيح: (إنَّهُ قَدْ كَانَ في الأُمَمِ قَبْلكُمْ مُحَدَّثُونَ، فَإنْ يَكُنْ في أُمَّتِي أحَد فعُمَرُ).

فجزم أن من كان قبله كان فيهم مُحدَّثُونَ، وعلَّقَ الأمرَ في أمته، وإن كان هذا المُعَلَّق قد تحقق؛ لأن أمته لا تحتاج بعده إلى نبي آخر، فَلأَن لا تحتاج معه إلى مُحدَّث ملهم أولى وأحرى.

وأما من كان قبله فكانوا يحتاجون إلى نبي بعد نبي، فأمكن حاجتهم إلى


(١) "نفسه" (١/ ٤٥)، وانظر: "لرسالة القشيرية" ص (١٠٦)، و"الذريعة إلى مكارم الشريعة" ص (١٨٦، ١٨٧)، و"فتح الباري" (١/ ١٧٠)، و"فراسة المؤمن" للشيخ إبراهيم الحازمي.
(٢) أي: النبي -صلى الله عليه وسلم-.
(٣) "مدارج السالكين" (١/ ٣٩).

<<  <   >  >>