* قال الإمام المحقِّقُ ابن قيم الجوزية -رحمه الله - تعالى-:
"علوم الشواهد" هي ما حصَلَتْ من الاستدلال بالأثر على المؤثر، وبالمصنوع على الصانع، فالمصنوعات شواهد، وأدلة، وآثار، وعلوم الشواهد: هي المستندة إلى الشواهد الحاصلة عنها.
و"العلم اللدني" هو العلم الذي يقذفه اللَّه في القلب إلهامًا بلا سبب من العبد، ولا استدلال؛ ولهذا سُمِّيَ لدُنِّيًّا، قال اللَّه -تَعَالَى-: {وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا}[الكهف: ٦٥]، واللَّه -تَعَالى- هو الذي علَّم العباد ما لا يعلمون؛ كما قال -تَعَالى-: {عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}[العلق: ٥]، ولكن هذا العلم أخص من غيره؛ ولذلك أضافه إليه -سبحانه-؛ كبيته، وناقته، وبلده، وعبده، ونحو ذلك، فتضمحل العلوم المستندة إلى الأدلة والشواهد في العلم اللدنِّي، الحاصل بلا سبب ولا استدلال، هذا مضمون كلامه.
ْونحن قول: إن العلم الحاصل بالشواهد والأدلة هو العلم الحقيقي، وأما ما يَدَّعي حُصُولَهُ بغَيْرِ شاهدٍ، ولا دليل، فلا وُثُوقَ به، وليس بعلْم، نَعَم قد يقوى العلم الحاصل بالشواهد، ويتزايد؛ بحيث يصير المعلوم كالمشهود، والغائب كالمُعَايَن، وعلم اليقين كعين اليقين، فيكون الأمر شعورًا أولًا، ثم تجويزًا، ثم ظنًّا، ثم علمًا، ثم معرفةً، ثم علمَ يقينٍ، ثم حقَّ يقينٍ، ثم عينَ يقينٍ، ثم تضمحل كل مرتبة في التي فوقها؛ بحيث يصير الحكم لها دونها، فهذا حقٌّ.
وأما دعوى وقوع نوع من العلم بغير سبب من الاستدلال، فليس بصحيح؛ فإن اللَّه -سبحانه- ربَطَ التعريفات بأسبابها، كما ربط الكائنات بأسبابها، ولا يحصل لبشر علم إلا بدليل يدله عليه. وقَدْ أيَّدَ اللَّه -سبحانه- رسله بأنواع الأدلة والبراهين التي دلتهم على أن ما جاءهم هو من عند اللَّه، ودَلَّتْ أممهم على