للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الفَرقُ بَينَ النَّبِيِّ والمُحَدَّثِ (١):

النَّبِيُّ: يُوحى إليه بوحي يَعلم أنه وحي من اللَّه -عز وجل- سواء كُلِّف بتبليغه إلى الناس أم لا.

والنَّبي لا يحتاج إلى التأكد من صحة ما أوحي إليه به بعرضه على وحي سابق؛ لأنه يعلم يقينا أنه وحي من الله -سبحانه- ووحي اللَّه -عز وجل- يكمل بعضه بعضًا، ثم إن النبي معصوم من الوهم فيما يخبر به عن اللَّه -سبحانه- كما قال -جل ذكره-: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (٢٦) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (٢٧) لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ} [الجن: ٢٦ - ٢٨]، فهو هنا يحرسهم حتى يبلِّغوا عنه.

والنبي إن أخطأ في رأي أو اجتهاد، فإن اللَّه -سبحانه- لا يتركه على ذلك، بل يصحح له عن طريق الوحي؛ كما وقع في قصة أسرى بدر؛ حيث أنزل اللَّه: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} [الأنفال: ٦٧]، وكإذنه للمتخلفين عن تبوك، يقول اللَّه -تَعالَى-: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} [التوبة: ٤٣]، وغير ذلك كثير.

أمَّا المُحَدَّثُ: فإنه يُحدَّث في سره بالشيء، ولا يعلم أنه من الله -تَعالَى-، وقد كان عمر -رضي اللَّه عنه- يقول: "لا يقولن أحد: قضيت بما أراني اللَّه -تعَالَى-؛ فإن اللَّه -تَعالَى- لم يجعل ذلك إلا لنبيه، وأما الواحد منا فرأيه يكون ظنًّا، ولا يكون علمًا" (٢)، أي أنه لا يصل ذلك التحديث إلى درجة اليقين لعدم تيقنه بكونه من اللَّه -سبحانه-، وكان -رضي اللَّه عنه- إذا قضى في شيء لا يعتبره قضية مُسلَّمة، وأنه من اللَّه، بل يعزوها إلى نفسه غير مؤكد صحتها؛ ففي قضية الكَلَالة (٣)، قال: "أقول فيها برأيي؛ فإن يكن صوابًا؛ فمن الله، وإن


(١) بتصرف من "عقيدة ختم النبوة" للشيخ أحمد بن سعد الغامدي ص (١٢٣ - ١٢٦).
(٢) "تفسير مفاتيح الغيب" (١/ ٣٣).
(٣) الكلالة: اسم للورثة ما عدا الوالدين والمولودين، وقيل: اسم للميت الذي لا والد له، ولا ولد.

<<  <   >  >>