١ - قال الإمام أبو إسحاق الشاطبي -رحمه اللَّه - تعالى-:
"وأضعف هؤلاء احتجاجًا، قوم استندوا في أخذ الأعمال إلى المنامات، وأقبلوا وأعرضوا بسببها، فيقولون: رأينا فلانًا الرجل الصالح، فقال لنا: اتركوا كذا، واعملوا كذا، ويتفق مثل هذا كثيرًا للمترسِّمين برسم التصوف، وربما قال بعضهم: رأيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في النوم فقال لي: كذا، وأمرني بكذا، فيعمل بها، ويترك بها، مُعْرِضًا عن الحدود الموضوعة في الشريعة، وهو خطأ؛ لأن الرؤيا من غير الأنبياء لا يحكم بها شرعًا على حال، إلا أن تعرض على ما في أيدينا من الأحكام الشرعية، فإن سَوَّغَتْها عُمِلَ بمقتضاها، وإلا وجب تركُها، والإعراضُ عنها، وإنما فَائِدَتُهَا البِشارة أو النذارة خاصة، وأما استفادة الأحكام فلا، ... فلو رأى في النوم قائلًا يقول: إن فلانًا سرق فاقطعه، أو عالم فاسأله، أو اعمل بما يقولون لك، أو فلان زنى فحدَّه، وما أشبه ذلك؛ لم يصح له العمل حتى يقوم له الشاهد في اليقظة، وإلا كان عاملًا بغير شريعة؛ إذ ليس بعد رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- وحي".
ولا يُقَالُ: إن الرؤيا من أجزاء النبوة، فلا ينبغي أن تُهْمَلَ، وأيضًا إن المخبر في المنام قد يكون النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهو قد قال:"مَنْ رَآنِي في النَّوْمِ فَقَدْ رَآنِي حَقَّا، فَإنَ الشَيْطَانَ لَا يَتَمَثلُ بِي"، وإذا كان؛ فإخباره في النوم كإخباره في اليقظة.
لأنا نقول: إن كانت الرؤيا من أجزاء النبوة فليست إلينا من كمال الوحي، بل جزء من أجزائه، والجزء لا يقوم مقام الكل في جميع الوجوه، بل إنما يقوم مقامه في بعض الوجوه، وقد صُرِفَتْ إلى جهة البشارة والنذارة.
وأيضًا، فإن الرؤيا التي هي جزء من أجزاء النبوة من شرطها أن تكون صالحة