من الرجل الصالح، وحصول الشروط مما ينظر فيه، قد تتوفر، وقد لا تتوفر.
وأيضًا فهي منقسمة إلى الحُلْم وهو من الشيطان، وإلى حديث النفس، وقد تكون بسبب هيجان بعض أخلاط، فمتى تتعين الصالحة حتى يُحْكَمَ بها وتُتركَ غيرُ الصالحة؟
ويلزم أيضًا على ذلك أن يكون تجديدَ وحيٍ بحكمٍ بعدَ النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهو منهي عنه بالإجماع.
يُحكى أن شريك بن عبد اللَّه القاضي دخل على المهديِّ، فلما رآه قال:
"عليَّ بالسيف والنِّطْع"(١)، قال:"ولم يا أمير المؤمنين؟ "، قال:"رأيت في منامي كأنك تطأ بساطي وأنت معرض عني، فقصصتُ رؤياي على مَن عبَّرها، فقال لي: يُظهر لك طاعة، ويضمر معصية"، فقال له شريك:"والله ما رؤياك برؤيا إبراهيم الخليل -عليه السلام- ولا أن معبرك بيوسف الصديق -عليه السلام-، فبالأحلام الكاذبة تضرب أعناق المؤمنين؟ "، فاستحيى المهدي، وقال:"اخرج عني"، ثم صرفه، وأبعده.
وأما الرؤيا التي يخبر فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الرائي بحكم، فلابد من النظر فيها أيضًا، لأنه إذا أخبر بحكم موافق لشريعته، فالحكم بما استقر، وإن أخبر بمخالف، فمحال، لأنه -صلى اللَّه عليه وسلم- لا ينسخ بعد موته شريعته المستقرة في حياته، لأن الدين لا يتوقف استقراره بعد موته على حصول المرائي النومية، لأن ذلك باطل بالأجماع، فمن رأى شيئًا من ذلك فلا عمل عليه، وعند ذلك نقول: إن رؤياه غير صحيحة، إذ لو رآه حقًّا لم يخبره بما يخالف الشرع.
لكن يبقى النظر في معنى قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من رآني في النوم فقد رآني"، وفيه تأويلان: أحدهما: ما ذكره ابن رشد، إذ سئل عن حاكم شهد
(١) النِّطْع: بساط من الجلد، كثيرًا ما كان يُقْتَل فوقه المحكومُ عليه بالقتل.