فَصلٌ في إبطَالِ احتِجَاجِ الصُّوفِيَّةِ بِقِصَّةِ مُوسَى وَالخَضِرِ عَلَى أنَّ الوَليَّ يَخرُجُ عَن شَرِيعَةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -
[يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله - تعالى-]
"وأما احتجاجهم بقصة موسى والخَضِرِ فيحتجون بها على وجهين:
أحَدهُمَا: أن يقولوا: إن الخَضِرَ كان مُشَاهِدًا الإرادة الربانية الشاملة، والمشيئة الإلهية العامَّة، وهي الحقيقة الكونية، فلذلك سَقَطَ عنه الملام فيما خالف فيه الأمر والنهي الشرعي، وهو من عظيم الجهل والضلال، بل من أعظم النِّفَاقِ والكفر، فإن مضمون هذا الكلام أن من آمن بالقدر، وشَهِدَ أن الله رب كل شيء، لم يكن عليه أمر ولا نهي، وهذا كُفْرٌ بجميع كتب اللَّه، ورُسْلِهِ، وما جاءوا به منِ الأمر والنهي ... وهؤلاء هم القدرية الشِّرْكِيَّةُ، الذين يحتجون بالقدر على دفع الأمر والنهي، هم من شر القدرية الذين هُمْ مَجُوسُ هذه الأمة، الذين رُوِيَ فيهم: "إن مرضوا: فلا تعودوهم، وإن ماتوا: فلا تشهدوهم" (١)؛ لأن هؤلاء يقرون بالأمر والنهي، والثواب والعقاب، لكن أنكروا عموم الإرادة والقدرة والخلق، وربما أنكروا سابق العلم.
وأما القدرية الشِّرْكِيَّةُ فإنهم يُنْكِرُونَ الأمر والنهي، والثواب والعقاب، لكن -وإن لم ينكروا عموم الإرادة والقدرة، والخلق- فإنهم ينكرون الأمر والنهي، والوعد والوعيد، ويَكفُرونَ بجميع الرسل والكتب؛ فإن الله إنما أرسل الرسل مُبَشِّرِينَ مَنْ أطاعهم بالثواب، ومنذرين من عصاهم بالعقاب.
(١) رواه أبو داود (٤٦٩١)، والحاكم (١/ ٨٥)، وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (٤/ ١٥٠).