ذلك، وكان معهم أعظم الأدلة والبراهين على أن ما جاءهم هو من عند اللَّه، وكانت براهينهم أدلةً، وشواهد لهم، وللأمم؛ فالأدلة والشواهد التي كانت لهم ومعهم، أعظم الشواهد والأدلة، واللَّه -تَعَالَى- شهد بتصديقهم بما أقام عليه من الشواهد، فكل علمٍ لا يستند إلى دليل فدعوى لا دليل عليها، وحكم لا برهان عند قائله، وما كان كذلك لم يكن علمًا، فضلًا عن أن يكون لدُنَّيًّا.
فالعلم اللدني ما قام الدليل الصحيح عليه: أنه جاء من عند اللَّه على لسان رسله، وما عداه فلدني من لدن نفس الإنسان، منه بدأ وإليه يعود، وقد انبثق (١) سَدُّ العلم اللدني ورخص سعره حتى ادعت كل طائفة أن علمهم لدني، وصار من تكلم في حقائق الإيمان والسلوك، وباب الأسماء والصفات بما يسنح له، ويلقيه شيطانه في قلبه، يزعم أن علمه لدني، فمَلاحِدَةُ الاتحادية، وزنادقة المنتسبين إلى السلوك يقولون:"إن علمهم لدني، وقد صنَّفَ في العلم اللدني متهوكو المتكلمين، وزنادقة المتصوفين، وجهلَةُ المتفلسفين، وكلٌّ يزعم أن علمه لدني، وصدقوا، وكذبوا فإن "اللدني" منسوب إلى "لدن" بمعنى "عند"، فكأنهم قالوا: العلم العندي، ولكنَّ الشأن فيمن هذا العلم مِن عنده، ومن لدنه، وقد ذمَّ اللَّه -تَعَالَى- بأبلغ الذم من ينسب إليه ما ليس من عنده؛ كما قال -تَعَالى-: {وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وهُمْ يَعْلَمُونَ}[آل عمران: ٧٨]، وقال تعالى:{فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ}[البقرة: ٧٩]، وقال -تعالى-: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ}[الأنعام: ٩٣].
فكلُّ من قال: هذا العلم من عند اللَّه، وهو كاذب في هذه النسبة، فله نَصِيبٌ وافر من هذا الذَّم، وهذا في القرآن كثير، يذم اللَّه -سبحانه- من أضاف إليه ما لا علم له به، ومن قال عليه ما لا يعلم؛ ولهذا رتب -سبحانه- المحرماتِ أربعَ