هو إلا أن رأيت قد شُرحَ صدر أبي بكر للقتال، فعلمت أنه الحق.
ولهذا نظائر تبين تقدم أبي بكر على عمر، مع أن عمر - رضي الله عنه - مُحَدَّثٌ، فإن مرتبة الصديق فوق مرتبة المحدَّث؛ لأن الصديق يتلقى عن الرسول المعصوم كل ما يقوله ويفعله، والمحدَّث يأخذ عن قلبه أشياءَ، وقلبه ليس بمعصوم، فيحتاج أن يعرضه على ما جاء به النبي المعصوم.
ولهذا كان عمر -رضي اللَّه عنه- يشاور الصحابة -رضِيَ اللَّه عنْهُمْ-، ويناظرهم، ويرجع إليهم في بعض الأمور، وينازعونه في أشياء، فيحتج عليهم، ويحتجون عليه بالكتاب والسنَّة، ويقرهم على منازعته، ولا يقول لهم:"أنا محدَّث ملهم مخاطَب؛ فينبغي لكم أن تقبلوا مني ولا تعارضوني"، فأي أحد ادعى، أو ادعى له أصحابه أنه ولي للَّه، وأنه مخاطَب يجب على أتباعه أن يقبلوا منه كل ما يقوله، ولا يعارضوه، ويسلموا له حاله من غير اعتبار بالكتاب والسنة؛ فهو، وَهُمْ مخطئون، ومثل هذا أضل الناس، فعمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أفضل منه، وهو أمير المؤمنين، وكان المسلمون ينازعونه، ويعرضون ما يقوله -وهو، وهُمْ- على الكتاب والسنَّة، وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها على أن كل أحد يُؤْخَذُ من قوله ويُتْرَكُ، إلا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-.
وهذا من الفروق بين الأنبياء وغيرهم؛ فإن الأنبياء -صلوات اللَّه عليهم وسلامه- يجب لهم الإيمان بجميع ما يخبرون به عن اللَّه -عز وجل- وتجب طاعتهم فيما يأمرون به، بخلاف الأولياء؛ فإنهم لا تجب طاعتهم في كل ما يأمرون به، ولا الإيمان بجميع ما يخبرون به، بل يعرض أمرهم وخبرهم على الكتاب والسنَّة، فما وافق الكتاب والسنَّة: وجب قبوله، وما خالف الكتاب والسنَّة: كان مردودًا، وإن كان صاحبه من أولياء اللَّه، وكان مجتهدًا معذورًا فيما قاله، له أجر على اجتهاده، ولكنه إذا خالف الكتاب والسنَّة كان مخطئًا، وكان من الخطأ المغفور إذا كان صاحبه قد اتقى اللَّه ما استطاع، فإن اللَّه -تعَالَى- يقول:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}[التغابن: ١٦]، وهذا تفسير قوله -تَعَالَى-: