للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بعض آثارها الطبيعية؛ كالإخبار بأن فلانًا الغائب قد مات، أو سيقدم وقت كذا، وأن فلانًا يضمر في نفسه كذا، وما أشبه ذلك من الجزئيات القريبة (١)، فكان


(١) علق العلامة الألباني -رحمه الله- على هذا الموضع قائلًا: (قلت: الإخبار عما في نفس الغير ليس من الجزئيات القريبة، بل هو من خصوصيات الله -تبارك وتعالى-، {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي} [المائدة: ١١٦]، فيستحيل أن يصل إلى هذه المرتبة من يتعاطى الرياضة من مؤمن أو كافر، ونحوه الإخبار بموت الغائب، أو بقدومه، نعم هذان الأمران الأخيران ونحوهما قد يكون من وحي الشيطان الجني الذي يسترق السمع إلى الشيطان الإنسي، أو يمكنه بحكم جبلته أن يطلع على موت فلان، قبل أن يطلع عليه البعيد عنه من بني الإنسان، فيخبر به من يريد أن يضله من الإنس، كهؤلاء المرتاضين الذين يتحدث عنهم المصنف -رحمه الله تعالى- ومثله قدوم الغائب، ومكان الضالة، ونحو ذلك، فهذه أمور ميسورة للجن، فَيُطْلِعون بعض الإنس بها لإضلالهم: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} [الجن: ٦]، وأما الاطلاع على ما في الصدور والإخبار به، فليس في طوق أحد منهم إلا بإخبار الله -عز وجل- من شاء من عباده الذين ارتضاهم لرسالته، كما قال: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (٢٦) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ}، نعم ليس من هذا القبيل ما يُلهمه الرجل الصالح، ثم يقع كما أُلهم، لأنه لو سئل عنه قبل ذلك لم يستطع الجزم به، فلأنه لا يدري أمن إلهام الرحمن هو، أم من وحي الشيطان؟ بخلاف التي قالت: {مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ}. وليس منه أيضًا ما يتنبأ به الإنسان بفراسته وملاحظته الدقيقة التي لا يتنبه لها غيره، وقد وقع لي شخصيًّا من هذا النوع حوادث كثيرة لولا أنني كنت أبادر إلى الكشف عن أسبابها الطبيعية لظنها الناس كشفًا صوفيًّا! فمن ذلك أنني كنت يومًا في حلقة الدرس أنتظر أن يكتمل الجمع، إذ قلت لمن عن يميني -وهو حي يرزق-: "بعد قليل يدخل فلان -لشاب سميته-"، فلم يمضِ سوى لحظات حتى دخل! فنظر إلى جليسي دهشًا كأنه يقول: أكشف؟ فقلت: "لا بل هي الفراسة"، ثم شرحت له سر المسألة، وذلك أن الشاب المشار إليه أعرف أن له دراجة عادية يأتي عليها إلى الدرس، وأعرف أيضًا أن الراكب لها إذا أراد النزول عنها أوقف تحريك رجليه إذا اقترب من المكان الذي يريد النزول عنده، وأنه عند ذاك يُسمع منها صوتُ بعض مسنناتها، وكانت دراجة الشاب من النوع المعروف بـ (السباقية)، والصوت الذي يسمع منها عند النزول أنعم من الأخريات، وكان هو الوحيد الذي يركبها من بين الذين يحضرون الدرس عادة، فلما أراد النزول، وأوقف رجليه طرق سمعي ذلك الصوت، فعرفت أنه هو، وأخبرت جليسي به، فكان كذلك!
وقد اتفق لي مرارًا -ويتفق مثله لغيري- أنني وأنا في صدد تقرير مسألة يقوم بعض الحاضرين يريد أن يسأل، فأشير إليه بأن تمهل، فإذا فرغت منها، قلت له: "الآن فَسَل"، فيقول: "ما أردت السؤالَ عنه قد حصل! " فأقول: أهذا هو الكشف؟! فمثل هذه الإجابة قد تقع تارة عفوًا، وتارة بقصد من المدرس الذي بحكم مركزه قد يتنبه لما لا يتنبه له الحاضرون، فيعرف من علاماتٍ خاصة تبدو له =

<<  <   >  >>