تكون على خلاف الظاهر؛ حتى في رؤيا الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- كما قُصَّ من ذلك في القرآن، وثبت في الأحاديث الصحيحة؛ ولهذه الأمور اتفق أهل العلم على أن الرؤيا لا تصلح للحُجَّة، وإنما هي تبشير، وتنبيه، وتصلح للاستئناس بها إذا وافقت حجة شرعية صحيحة؛ كما ثبت عن ابن عباس أنه كان يقول بمتعة الحج؛ لثبوتها عنده بالكتاب والسنَّة، فرأى بعض أصحابه رؤيا توافق ذلك؛ فاستبشر ابن عباس.
هذا حال الرؤيا، فَقِس عليه حال الكشف إن كان في معناها، فاما إن كان دونها، فالأمر أوضح، وتجد في كلام المتصوفة أن الكشف قد يكون حقًّا، وقد يكون من الشيطان، وقد يكون تخيلًا موافقًا لحديث النفس، وصرحوا بأنه كثيرًا ما يكشف للرجل بما يوافق رأيه حقًّا كان أو باطلًا، ولهذا تجد في المتصوفة من ينتسب إلى قول أهل الحديث، ويزعم أنه يكشف له بصحة مذهبه، وهكذا تجد فيهم الأشعري والمعتزلي والمتفلسف وغيرهم، وكلٌّ يزعم أنه يُكْشَفُ له بصحة مذهبه، ومخالفه منهم لا يُكذِّبُهُ، ولكنه يُكذِّبُ كشفه، وقد يكشف لأحدهم بما يوافق مقالات الفرقة التي ينتسب إليها، وإن لم يكن قد عرف تلك المقالاتِ من قبل؛ كأنه لحسن ظنه بهم، وحرصه على موافقتهم إنما تتجه همته إليهم؛ فيقرأ أفكارهم، وترتسم في مخيلته أحوالهم.
فالكشف إذن تبع للهوى، فغايته أن يؤيد الهوى، ويرسخه في النفس، ويحول بين صاحبه وبين الاعتبار والاستبصار، فكأن الساعي في أن يحصل له الكشف إنما يسعى في أن يضله اللَّه -عز وجل-، ولا ريب أن من التمَس الهدى من غيرِ الصِّراط المستقيم مستحق أن يضله اللَّه -عز وجل-، وما يزعمه بعض غلاتهم من أن لهم علاماتٍ يميزون بها بين ما هو حق من الكشف وما هو باطل دعوى فارغة، إلا ما تقدم عن أبي سليمان الداراني، وهو أن الحق ما شهد له الكتاب والسنَّة، لكن المقصود الشهادة الصريحة التي يفهمها أهل العلم من الكتاب والسنَّة بالطريق التي كان يفهمها بها السلف الصالح.