للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لما تُوُفيِّ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وَسُجِّيَ بثوبٍ، هَتَفَ هاتف من ناحية البيت يسمعون صوته، ولا يرون شخصه: "السلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته، السلام عليكم أهلَ البيت {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران: ١٨٥]، إنَّ في اللَّه خَلَفًا من كل هالك، وعِوَضًا من كل تالف، وعزاءً من كل مصيبة، فباللَّه فثقوا، وإياه فارجوا؛ فإن الْمُصَابَ من حُرِمَ الثواب"، فكانوا يُرَوْنَ أنه الْخَضِرُ -عليه السلام- يعني أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-. انتهى بواسطة نقل القرطبي في "تفسيره" (١).

قال مُقَيِّدُهُ -عفا اللَّه عنه-: والاستدلال على حياة الْخَضِرِ بآثار التعزية -كهذا الأثر الذي ذكرنا آنفًا- مَرْدُودٌ من وجهين:

الأوَّل: أنه لم يثبت ذلك بسند صحيح، قال ابن كثير في "تفسيره": وحكى النووي، وغيره في بقاء الْخَضِرِ إلى الآن، ثم إلى يوم القيامة قولين، ومال هو وابن الصلاح إلى بقائه، وذكروا في ذلك حكاياتٍ عن السلف وغيرهم، وجاء ذكره في بعض الأحاديث، ولا يصح شيء من ذلك، وأشهرها حديث التعزية، وإسناده ضعيف. اهـ منه.

الثَّانِي: أنه على فرض أن حديث التعزية صحيح، لا يلزم من ذلك عقلًا، ولا شرعًا، ولا عرفًا، أن يكون ذلك المُعزِّي هو الْخَضِرُ؛ بل يجوز أن يكون غيرَ الْخَضِرِ من مؤمني الجن؛ لأن الجن هم الذين قال اللَّه فيهم: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ} [الأعراف: ٢٧]، ودعوى أن ذلك المعزي هو الْخَضِرُ تحكُّمٌ بلا دليل، وقولهم: "كانوا يُرَوْنَ أنه الْخَضِرُ"، ليس حجةً يجب الرجوع إليها؛ لاحتمال أن يُخْطِئُوا في ظنهم، ولا يدل ذلك على إجماع شرعي معصوم، ولا متمسك لهم في دعواهم أنه الْخَضِرُ كما ترى (٢).


(١) "الجامع لأحكام القرآن" (١١/ ٤٣، ٤٤).
(٢) قال الإمام النووي في "المجموع": "وأما قصة تعزية الخضر -عليه السلام- فرواها الشافعي في (الأُم) بإسناد ضعيف، إلا أنه لم يقل: (الخضر) عليه السلام، بل: (سمعوا قائلًا يقول) ". اهـ. =

<<  <   >  >>