موسى والخَضِرِ، حتى جاء الصوفية، وتذرعوا بتلك القصة؛ تلبيسًا منهم على عوامِّ الخلق.
الوَجْه التَّاسِع: إذا كان الخَضِرُ -عليه السلام- قال لموسى -عليه السلام-: "يَامُوسى، إِنِّي عَلَى عِلْمٍ مِن علمِ اللهِ عَلَّمَنيهِ اللَّهُ لَا تَعْلَمُهُ"، وإذا كان هذا خروجًا من الخَضِرِ عن شريعة موسى في هذا الباب، فإن ذلك لا يجوز قوله في شريعة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، التي قال اللَّه فيها:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}[المائدة: ٣]، فما خَرَجَ الخَضِرُ عن شريعة موسى في هذا الباب إلا لشرع آخر من الله أمره به، أما شريعة سيدنا محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، فإنها باقية إلى قيام الساعة، ولا يُسْتَبْدَلُ أويُسْتَغْنَى عنها بشيء آخر البتة، ولا يجوز أن يقول قائل: أنا على علم من اللَّه لم يُؤْتَهُ مُحَمَّدٌ -صلى الله عليه وسلم-؛ إذْ ما نُزِّلَ عليه -صلى الله عليه وسلم- هو المصدر الوحيد الذي يجب أن يكون مشكاة للمسلمين كُلِّهِمْ، لا يُسْتَثْنَى منهم أحد في الخروج عنه، وقد قال تعالى:{وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[آل عمران: ٨٥].
فذلك تأكيد من اللَّه على عدم حصول وحي منه على أحد غير النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهو في الوقت نَفْسِهِ يفيد تحريم أخذ شيء من الأمور التعبدية عن غير هذا الطريق.
* * *
وهذا آخر ما تيسر جمعه في هذا الباب، وصلى اللَّه على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله ربِّ العالمين.